الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أم قوم تبع أخرج الطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه، عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 279 ] وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لا تقولوا لتبع إلا خيرا فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن كعب قال : إن تبعا نعت الرجل الصالح، ذم الله قومه ولم يذمه . قال : وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : كان تبع رجلا صالحا ألا ترى أن الله ذم قومه ولم يذمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح قال : لا تسبوا تبعا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : نهى رسول الله [ ص: 280 ] صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد وهو تبع، قيل : وما كان أسعد؟ قال : كان على دين إبراهيم وكان إبراهيم يصلي كل يوم صلاة ولم تكن شريعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد الحميري وقال : هو أول من كسا الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن عساكر عن سعيد بن جبير قال : إن تبعا كسا البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان تبع إذا عرض الخيل قاموا صفا من دمشق إلى صنعاء اليمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن عساكر عن ابن عباس قال : سألت كعبا عن تبع فإني أسمع الله يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعا؟ فقال : إن تبعا كان رجلا من أهل اليمن ملكا منصورا فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند ورجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارا فانطلق بهم نحو اليمن حتى إذا دنا من مكة طار في الناس أنه هادم الكعبة، فقال له الأحبار : ما هذا الذي تحدث [ ص: 281 ] به نفسك فإن هذا البيت لله وإنك لن تسلط عليه . فقال : إن هذا لله وأنا أحق من حرمه فأسلم مكانه وأحرم فدخلها محرما فقضى نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعا حتى قدم على قومه فدخل عليه أشرافهم فقالوا : يا تبع أنت سيدنا، وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره فاختر منا أحد أمرين إما أن تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت، وإما أن تذر دينك الذي أحدثت . وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء فقال الأحبار عند ذلك : اجعل بينك وبينهم النار فتواعد القوم جميعا على أن جعلوا بينهم النار فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمالها وقدموا جميعا إلى النار وقامت الرجال خلفهم بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعا لها فنكص أصحاب الأصنام وأقبلت النار فأحرقت الأصنام وعمالها وسلم الآخرون فأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذلك عمر تبع حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك فقتل أخوه وكفروا صفقة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر عن أبي بن كعب قال : لما قدم تبع المدينة [ ص: 282 ] ونزل بقناة بعث إلى أحبار يهود فقال : إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب . فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم : أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده بمكة اسمه أحمد وهذه دار هجرته إن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عدوهم، قال تبع : ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعم؟ قال : يسير إليه قومه فيقتتلون ههنا . قال : فأين قبره؟ قال : بهذا البلد . قال : فإذا قوتل لمن تكون الدبرة؟ قال : تكون عليه مرة وله مرة وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه يقتل به أصحابه مقتلة عظيمة لم تقتل في موطن ثم تكون العاقبة له ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد . قال : وما صفته؟ قال : رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى حتى [ ص: 283 ] يظهر أمره . قال تبع : ما إلى هذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابها على يدي فرجع تبع منصرفا إلى اليمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن عباد بن زياد المري عمن أدرك قال : أقبل تبع يفتتح المدائن ويقاتل العرب حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود فظهر على أهلها وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج نبي بمكة يكون قراره بهذه البلدة اسمه أحمد وأخبروه أنه لا يدركه . فقال تبع للأوس والخزرج : أقيموا بهذا البلد فإن خرج فيكم فوازروه وصدقوه، وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم . وقال في شعره :

                                                                                                                                                                                                                                      حدثت أن رسول المليك يخرج حقا بأرض الحرم     ولو مد دهري إلى دهره
                                                                                                                                                                                                                                      لكنت وزيرا له وابن عم



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الدلائل" عن عبد الله بن سلام قال : لم يمت تبع حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يهود يثرب يخبرونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحاق قال : أري تبع في منامه أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه [ ص: 284 ] المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الوصائل وصائل اليمن فكان تبع فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى بها ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وجعل له بابا ومفتاحا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية