الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيمن يغسل الميت

                                                                                                                                                                        الأصل أن يغسل الرجال الرجال ، والنساء النساء . وأولى الرجال بالرجل ، أولاهم بالصلاة عليه . وسيأتي ترتيبهم - إن شاء الله تعالى - . والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال ، وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة . أحدها : الزوجية ، فله غسل زوجته المسلمة والذمية ، ولها غسله وإن تزوج أختها أو أربعا سواها على الصحيح . الثاني : المحرمية ، وظاهر كلام الغزالي ، تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء ، لكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحا بذلك ، وإنما يتكلمون في [ ص: 104 ] الترتيب ، ويقولون : المحارم بعد النساء أولى . الثالث : ملك اليمين ، فللسيد غسل أمته ، ومدبرته ، وأم ولده ، ومكاتبته ، لأن كتابتها ترتفع بموتها . فإن كن مزوجات ، أو معتدات ، لم يكن له غسلهن .

                                                                                                                                                                        قلت : والمستبرأة كالمعتدة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        للمرأة غسل زوجها ، فإن طلقها رجعيا ومات أحدهما في العدة ، لم يكن للآخر غسله ، لتحريم النظر في الحياة . وإلى متى تغسل زوجها ؟ فيه أوجه . أصحها : أبدا . والثاني : ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملا عقيب موته . والثالث : ما لم يتزوج . وإذا غسل أحد الزوجين صاحبه ، لف على يده خرقة ولا يمسه ، فإن خالف ، قال القاضي حسين : يصح الغسل ولا يبنى على الخلاف في انتقاض طهر الملموس .

                                                                                                                                                                        قلت : وأما وضوء الغاسل ، فينتقض ، قاله القاضي حسين . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هل للأمة ، والمدبرة ، وأم الولد ، غسل السيد ؟ وجهان . أصحهما : لا يجوز . وليس للمكاتبة غسله بلا خلاف ، لأنها كانت محرمة عليه .

                                                                                                                                                                        قلت : والمزوجة ، والمعتدة ، والمستبرأة ، كالمكاتبة . صرح به في ( التهذيب ) وغيره . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 105 ] فرع : لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية ، أو ماتت امرأة وليس هناك إلا رجل أجنبي ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين ، والروياني ، والأكثرين : لا يغسل ، بل ييمم ويدفن . والثاني وهو قول القفال ، ورجحه إمام الحرمين ، والغزالي : يغسل في ثيابه ، ويلف الغاسل خرقة على يده ، ويغض طرفه ما أمكنه ، فإن اضطر للنظر ، نظر للضرورة .

                                                                                                                                                                        قلت : حكى صاحب ( الحاوي ) هذا الثاني عن نص الشافعي - رضي الله عنه - ، وصححه . وحكى صاحب ( البيان ) وغيره وجها ثالثا : أنه يدفن ، ولا يغسل ، ولا ييمم ، وهو ضعيف جدا . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا مات الخنثى المشكل وليس هناك محرم له من الرجال أو النساء ، فإن كان صغيرا ، جاز للرجال والنساء غسله ، وكذا واضح الحال من الأطفال ، يجوز للفريقين غسله ، كما يجوز مسه والنظر إليه . وإن كان الخنثى كبيرا ، فوجهان ، كمسألة الأجنبي ، أحدهما : ييمم ويدفن . والثاني : يغسل . وفيمن يغسله أوجه . أصحها وبه قال أبو زيد : يجوز للرجال والنساء جميعا غسله للضرورة ، واستصحابا لحكم الصغر . والثاني : أنه في حق الرجال كالمرأة ، وفي حق النساء كالرجل ، أخذا بالأحوط . والثالث : يشترى من تركته جارية لتغسله ، فإن لم يكن تركة ، اشتريت من بيت المال . قال الأئمة : وهذا ضعيف ، لأن إثبات الملك ابتداء [ ص: 106 ] لشخص بعد موته مستبعد ، ولو ثبت ، فالأصح أن الأمة لا تغسل سيدها . والمراد بالصغير : من لم يبلغ حدا يشتهى مثله ، وبالكبير من بلغه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية