الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 404 ]

                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- السماوية

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول

                                                                                                                                                                                                                              وفيه فصول

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في الكلام على المعجزة والكرامة والسحر

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي- رحمه الله تعالى- : إذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله ، وجملة كمالاته وجميع خصاله المرضية وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته الخلق إلى الحق ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به ، روى الترمذي وابن قانع عن عبد الله بن سلام- رضي الله تعالى عنه- قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي رمثة- رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأريته ، فلما رأيته قلت : هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن سعد قال ذلك لما ظهر عليه من ملابس الصدق ، وعلامات الحق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم وغيره أن ضمادا لما وفد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم- وقد سمع بعض قريش وفي لفظ «بعض الكفار» يقول : محمد مجنون فقال : يا محمد ، إني راق هل بك شيء أرقيك ؟

                                                                                                                                                                                                                              فقال صلى الله عليه وسلم نفيا لما نسب إليه : «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله» ،

                                                                                                                                                                                                                              قال له : أعد علي كلماتك هؤلاء فلقد بلغني قاموس البحر ، هات يدك أبايعك ،
                                                                                                                                                                                                                              قال ذلك تعجبا من بلاغتها ، وإيرادها مطابقة لمقتضى الحال .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن جامع بن شداد ، قال : كان رجلا منافقا يقال له : طارق ، فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هل معكم شيء تبيعونه ؟ » فقلنا هذا البعير قال :

                                                                                                                                                                                                                              بكم ؟ قلنا : بكذا وكذا وسقا من تمر ، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل ، ما ندري من هو ومعنا ظعينة ، فقالت : أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم ، فأصبحنا ، فجاء رجل بتمر فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ، وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا


                                                                                                                                                                                                                              انتهى . قالت ذلك لما ظهر لها عليه من مخائل الصدق ، وملابس الوفاء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن موسى في كتاب الردة عن ابن إسحاق في خبر الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، فقال الجلندى : والله لقد دلني على هذا النبي [ ص: 405 ]

                                                                                                                                                                                                                              الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يفجر ، ويفي بالعهد وينجز الوعد ، وأشهد أنه نبي جملته هذه المحاسن ، فتأمله لها على الإقرار بنبوته .

                                                                                                                                                                                                                              وقال نفطويه في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار [النور - 35] هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة- رضي الله تعالى عنه- .


                                                                                                                                                                                                                              لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر

                                                                                                                                                                                                                              قال المحققون : المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدي الدال على صدق الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدى بها مع أمن المعارضة وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر ، وانفجار الماء من بين الأصابع ، وقلب العصا حية ، وإخراج ناقة من صخرة ، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية