الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ ص: 469 ] وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله: إلا ما ملكت أيمانكم فيه أربعة أقاويل: أحدها: والمحصنات من النساء يعني ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي ، وهذا قول علي ، وابن عباس ، وأبي قلابة ، والزهري ، ومكحول ، وابن زيد . وقد روى عثمان البتي عن أبي خليل عن أبي سعيد الخدري قال: لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس ، قلنا: يا نبي الله، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ قال: فنزلت هذه الآية والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم والثاني: أن المحصنات ذوات الأزواج حرام على غير أزواجهن إلا ما [ ص: 470 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ملكت أيمانكم من الإماء ، إذا اشتراها مشتر بطل نكاحها وحلت لمشتريها ويكون بيعها طلاقها ، وهذا قول ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وابن عباس في رواية عكرمة عنه وسعيد بن المسيب ، والحسن ، قال الحسن: طلاق الأمة يثبت نسبها ، وبيعها ، وعتقها ، وهبتها ، وميراثها ، وطلاق زوجها. الثالث: أن المحصنات من النساء العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بعقد النكاح ، أو ملك اليمين ، وهذا قول عمر ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، وعبيدة السلماني ، وعطاء ، والسدي .والرابع: أن هذه الآية نزلت في نساء كن هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج ، فتزوجهن المسلمون ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين ، فنهي المسلمون عن نكاحهن ، وهذا قول أبي سعيد الخدري. وأصل الإحصان المنع ، ومنه حصن البلد ، لأنه يمنع من العدو ، ودرع حصينة أي منيعة ، وفرس حصان ، لأن صاحبه يمتنع به من الهلكة ، وامرأة حصان ، وهي العفيفة لأنها تمتنع من الفاحشة ، ومنه ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها [التحريم: 12]. كتاب الله عليكم فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن معناه: حرم ذلك عليكم كتابا من الله. والثاني: معناه الزموا كتاب الله. والثالث: أن كتاب الله قيم عليكم فيما تستحلونه وتحرمونه. وأحل لكم ما وراء ذلكم فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن معناه ما دون الخمس ، وهو قول السدي. والثاني: ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم ، وهو قول عطاء. والثالث: ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم ، وهو قول قتادة. أن تبتغوا بأموالكم يعني أن تلتمسوا بأموالكم إما شراء بثمن ، أو نكاحا بصداق. [ ص: 471 ]

                                                                                                                                                                                                                                        محصنين غير مسافحين يعني متناكحين غير زانين ، وأصل السفاح صب الماء ، ومنه سفح الدمع إذا صبه ، وسفح الجبل أسفله لأنه مصب الماء فيه ، وسفاح الزنى لصب مائه حراما. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة أي آتوهن صدقاتهن معلومة ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، وأحد قولي ابن عباس . والقول الثاني: أنها المتعة إلى أجل مسمى من غير نكاح ، قال ابن عباس كان في قراءة أبي: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، وكان ابن عباس كذلك يقرأ ، وسعيد بن جبير ، وهذا قول السدي ، وقال الحكم: قال علي: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي ، وهذا لا يثبت ، والمحكي عن ابن عباس خلافه ، وأنه تاب من المتعة وربا النقد. ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: معناه لا حرج عليكم أيها الأزواج إن أعسرتم بعد أن فرضتم لنسائكم مهرا عن تراض أن ينقصنكم منه ويتركنكم ، وهذا قول سليمان بن المعتمر. والثاني: لا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى ، إذا انقضى الأجل بينكم أن يزدنكم في الأجل وتزيدوهن في الأجر قبل أن يستبرئن أرحامهن ، وهذا قول السدي. والثالث: لا جناح عليكم فيما تراضيتم به ودفعتموه أن يعود إليكم عن تراض ، وهذا قول ابن عباس . إن الله كان عليما حكيما فيه ثلاثة أقوال: أحدها: كان عليما بالأشياء قبل خلقها ، حكيما في تقديره وتدبيره لها ، وهذا قول الحسن . والثاني: أن القوم شاهدوا علما وحكمة فقيل لهم: إن كان كذلك لم يزل ، وهذا قول سيبويه. والثالث: أن الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل وهذا مذهب الكوفيين. [ ص: 472 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية