الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ليس التقليد من لوازم الشرع ] : الوجه الثالث والسبعون : قولكم " إن التقليد من لوازم الشرع والقدر ، والمنكرون له مضطرون إليه ولا بد كما تقدم بيانه من الأحكام " جوابه أن التقليد المنكر المذموم ليس من لوازم الشرع ، وإن كان من لوازم القدر ، بل بطلانه وفساده من لوازم الشرع ، كما عرف بهذه الوجوه التي ذكرناها وأضعافها ، وإنما الذي من لوازم الشرع المتابعة ، وهذه المسائل التي ذكرتم أنها من لوازم الشرع ليست تقليدا ، وإنما هي متابعة وامتثال للأمر ، فإن أبيتم إلا تسميتها تقليدا فالتقليد بهذا الاعتبار حق ، وهو من الشرع ، ولا يلزم من ذلك أن يكون التقليد الذي وقع النزاع فيه من الشرع ، ولا من لوازمه ، وإنما بطلانه من لوازمه .

يوضحه الوجه الرابع والسبعون : أن ما كان من لوازم الشرع فبطلان ضده من لوازم الشرع ; فلو كان التقليد الذي وقع فيه النزاع من لوازم الشرع لكان بطلان الاستدلال واتباع الحجة في موضع التقليد من لوازم الشرع ; فإن ثبوت أحد النقيضين يقتضي انتفاء الآخر ، وصحة أحد الضدين يوجب بطلان الآخر ، وتحرره دليلا فنقول : لو كان التقليد من الدين لم يجز العدول عنه إلى الاجتهاد والاستدلال ; لأنه يتضمن بطلانه .

فإن قيل : كلاهما من الدين ، أو أحدهما أكمل من الآخر ; فيجوز العدول عن المفضول إلى الفاضل .

قيل : إذا كان قد انسد باب الاجتهاد عندكم وقطعتم طريقه وصار الغرض هو التقليد فالعدول عنه إلى ما قد سد بابه وقطعت طريقه يكون عندكم معصية وفاعله آثما ، وفي هذا من قطع طريق العلم وإبطال حجج الله وبيناته وخلو الأرض من قائم لله بحججه ما يبطل هذا القول ويدحضه ، وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة ، وهؤلاء هم أولو العلم والمعرفة بما بعث الله به رسوله ; فإنهم على بصيرة وبينة ، بخلاف الأعمى الذي قد شهد على نفسه بأنه ليس من أولي العلم والبصائر .

والمقصود أن الذي هو من لوازم الشرع المتابعة والاقتداء ، وتقديم النصوص على آراء الرجال ، وتحكيم الكتاب والسنة في كل ما تنازع فيه العلماء .

وأما الزهد في النصوص [ ص: 191 ] والاستغناء عنها بآراء الرجال وتقديمها عليها والإنكار على من جعل كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة نصب عينيه وعرض أقوال العلماء عليها ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة فبطلانه من لوازم الشرع ، ولا يتم الدين إلا بإنكاره وإبطاله ، فهذا لون والاتباع لون ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية