الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 155 ] مسألة في تأويل الآيات وإمرار

أحاديث الصفات كما جاءت [ ص: 156 ] [ ص: 157 ] مسألة

سئل عنها الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع أوحد أهل زمانه شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني -رضي الله عنه وأرضاه- وهو بالديار المصرية، في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية ، وقوله وهو معكم أين ما كنتم ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ... " الحديث . وقد تأول طائفة هذه الآيات وأمثالها من آيات الصفات التي أنزلها الله تعالى، ولم يتأولوا هذا الحديث ولا أمثاله من أحاديث الصفات. وقد قال طائفة: إذا تأولنا هذه الآيات احتملت هذه الأحاديث أيضا التأويل. فما الحجة في تأويل الآيات وإمرار الأحاديث كما جاءت؟ بينوا لنا الصواب في ذلك.

أجاب رضي الله عنه

الحمد لله. الجواب عن هذا من وجوه:

أحدها

أن يقال: يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من [ ص: 158 ] المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول ولا في الفروع. وحكى غير واحد من أهل العلم بآثارهم وأقوالهم قالوا في قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ونحوه: إنه بعلمه ، وحكوا إجماعهم على إمرار [آيات] الصفات وأحاديثها وإنكارهم على المحرفين لها.

ولهذا لا يقدر أحد أن يحكي عن أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم من سلف الأمة بنقل صحيح أنه تأول الاستواء بالاستيلاء أو نحوه من معاني أهل التحريف، بل ينقل عنهم أنهم فسروا الآية بما يقتضي أنه سبحانه فوق عرشه، ويمكنه أن ينقل بالإسناد الصحيح أنهم قالوا في قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم أنهم قالوا: بعلمه.

قال أبو عمر ابن عبد البر في كتاب "التمهيد في شرح الموطأ" لما شرح حديث النزول، قال: هذا حديث لم يختلف أهل العلم في صحته، وفيه دليل [على] أن الله في السماء على العرش كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة. وهذا أشهر عند العامة والخاصة، وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار، لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم. [ ص: 159 ]

وقال أبو عمر أيضا : أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم : هو على العرش، وعلمه في كل مكان. وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.

وقال أيضا : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعم أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود.

وقال الشيخ أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" في باب التحذير من مذهب الحلولية: الذي يذهب إليه أهل العلم أن الله على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أرضين، يرفع إليه أعمال العباد.

التالي السابق


الخدمات العلمية