الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ( 58 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك وبما أنزل إليك من عند ربك ( بفضل الله ) ، أيها الناس ، الذي تفضل به عليكم ، وهو الإسلام ، فبينه لكم ، ودعاكم إليه ( وبرحمته ) ، التي رحمكم بها ، فأنزلها إليكم ، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ، وبصركم بها في معالم دينكم ، وذلك القرآن ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) يقول : فإن الإسلام الذي دعاهم إليه ، والقرآن الذي أنزله عليهم ، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها . [ ص: 106 ]

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17668 - حدثني علي بن الحسن الأزدي قال : حدثنا أبو معاوية عن الحجاج عن عطية عن أبي سعيد الخدري في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بفضل الله ، القرآن ( وبرحمته ) أن جعلكم من أهله .

17669 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل عن منصور عن هلال بن يساف : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بالإسلام الذي هداكم ، وبالقرآن الذي علمكم .

17670 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : بالإسلام والقرآن ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، من الذهب والفضة .

17671 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : " فضل الله " ، الإسلام ، و " رحمته " القرآن .

17672 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا زيد قال : حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : الإسلام والقرآن . [ ص: 107 ]

17673 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف مثله .

17674 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن هلال مثله .

17675 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، أما فضله فالإسلام ، وأما رحمته فالقرآن .

17676 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : فضله : الإسلام ، ورحمته القرآن .

17677 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( قل بفضل الله وبرحمته ) ، قال : القرآن .

17678 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : ( وبرحمته ) ، قال : القرآن .

17679 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس قوله : ( هو خير مما يجمعون ) ، قال : الأموال وغيرها .

17680 - حدثنا علي بن داود قال : حدثني أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : ( قل بفضل الله وبرحمته ) يقول : فضله الإسلام ، ورحمته القرآن .

17681 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن هلال : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : بكتاب الله ، وبالإسلام ( هو خير مما يجمعون ) . [ ص: 108 ]

وقال آخرون : بل " الفضل " القرآن ، و " الرحمة " الإسلام .

ذكر من قال ذلك :

17682 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، قال : ( بفضل الله ) ، القرآن ، ( وبرحمته ) ، حين جعلهم من أهل القرآن .

17683 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال : " فضل الله " القرآن ، و " رحمته " الإسلام .

17684 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته ) قال : ( بفضل الله ) القرآن ، ( وبرحمته ) ، الإسلام .

17685 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ، قال : كان أبي يقول : فضله القرآن ، ورحمته الإسلام .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( فبذلك فليفرحوا ) .

فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : ( فليفرحوا ) بالياء ( هو خير مما يجمعون ) بالياء أيضا على التأويل الذي تأولناه ، من أنه خبر عن أهل الشرك بالله . يقول : فبالإسلام والقرآن الذي دعاهم إليه ، فليفرح هؤلاء المشركون ، لا بالمال الذي يجمعون ، فإن الإسلام والقرآن خير من المال الذي يجمعون ، وكذلك :

17686 - حدثت عن عبد الوهاب بن عطاء عن هارون عن أبي التياح : [ ص: 109 ] ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، يعني الكفار .

وروي عن أبي بن كعب في ذلك ما :

17687 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، عن أبي بن كعب : أنه كان يقرأ : ( فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون ) بالتاء .

17688 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، عن أبي بن كعب مثل ذلك .

وكذلك كان الحسن البصري يقول : غير أنه فيما ذكر عنه كان يقرأ قوله : ( هو خير مما يجمعون ) بالياء; الأول على وجه الخطاب ، والثاني على وجه الخبر عن الغائب .

وكان أبو جعفر القارئ ، فيما ذكر عنه ، يقرأ ذلك نحو قراءة أبي بالتاء جميعا .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار من قراءة الحرفين جميعا بالياء : ( فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) لمعنيين :

أحدهما : إجماع الحجة من القراء عليه .

والثاني : صحته في العربية ، وذلك أن العرب لا تكاد تأمر المخاطب باللام والتاء ، وإنما تأمره فتقول : " افعل ولا تفعل " .

وبعد ؛ فإني لا أعلم أحدا من أهل العربية إلا وهو يستردئ أمر المخاطب باللام ، ويرى أنها لغة مرغوب عنها ، غير الفراء فإنه كان يزعم أن اللام في [ ص: 110 ] الأمر [ هي البناء الذي خلق له ] واجهت به أم لم تواجه ، إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه ، لكثرة الأمر خاصة في كلامهم ، كما حذفوا التاء من الفعل . قال : وأنت تعلم أن الجازم والناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوله الياء والتاء والنون والألف ، فلما حذفت التاء ذهبت اللام ، وأحدثت الألف في قولك : " اضرب " و " افرح " لأن الفاء ساكنة ، فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن ، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء ، كما قال : ( اداركوا ) ، [ سورة الأعراف : 38 ]

و ( اثاقلتم ) ، [ سورة التوبة : 38 ] .

وهذا الذي اعتل به الفراء عليه لا له ، وذلك أن العرب إن كانت قد حذفت اللام في المواجه وتركتها ، فليس لغيرها إذا نطق بكلامها أن يدخل فيها ما ليس منه ما دام متكلما بلغتها . فإن فعل ذلك ، كان خارجا عن لغتها ، وكتاب الله الذي أنزله على محمد بلسانها ، فليس لأحد أن يتلوه إلا بالأفصح من كلامها ، وإن كان معروفا بعض ذلك من لغة بعضها ، فكيف بما ليس بمعروف من لغة حي ولا قبيلة منها ؟ وإنما هو دعوى لا تثبت بها [ حجة ] ولا صحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية