الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 132 ] فصل وإن اشترى شيئين صفقة واحدة ، ثم أراد بيع أحدهما مرابحة ، أو اشترى اثنان شيئا ، فتقاسماه ، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة ، بالثمن الذي أداه فيه ، فذلك قسمان : أحدهما ، أن يكون البيع من المتقومات التي لا ينقسم الثمن عليها بالأجزاء كالثياب والحيوان والشجرة المثمرة ، وأشباه هذا ، فهذا لا يجوز بيع بعضه مرابحة ، حتى يخبر بالحال على وجهه . نص عليه أحمد . فقال : كل بيع اشتراه جماعة ، ثم اقتسموه ، لا يبيع أحدهم مرابحة ، إلا أن يقول : اشتريناه جماعة ، ثم اقتسمناه .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وقال الشافعي يجوز بيعه بحصته من الثمن ; لأن الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته ; بدليل ما لو كان المبيع شقصا وسيفا ، أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن .

                                                                                                                                            ولو اشترى شيئين ، فوجد أحدهما معيبا رده بحصته من الثمن . وذكر ابن أبي موسى ، فيما اشتراه اثنان فتقاسماه رواية أخرى عن أحمد ، أنه يجوز بيعه مرابحة بما اشتراه ; لأن ذلك ثمنه ، فهو صادق فيما أخبر به . ولنا ، أن قسمة الثمن على المبيع طريقه الظن والتخمين ، واحتمال الخطأ فيه كثير وبيع المرابحة أمانة ، فلم يجز هذا فيه ، فصار هذا كالخرص الحاصل بالظن ، لا يجوز أن يباع به ما يجب التماثل فيه ، وإنما أخذ الشفيع بالقيمة للحاجة الداعية إليه ، وكونه لا طريق له سوى التقويم ، ولأنه لو لم يأخذ بالشفعة لاتخذه الناس طريقا لإسقاطها ، فيؤدي إلى تفويتها بالكلية ، وهاهنا له طريق ، وهو الإخبار بالحال على وجهه ، أو بيعه مساومة .

                                                                                                                                            القسم الثاني ، أن يكون المبيع من المتماثلات التي ينقسم الثمن عليها بالأجزاء ، كالبر والشعير المتساوي ، فيجوز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن . وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي . ولا نعلم فيه خلافا ; لأن ثمن الجزء معلوم يقينا ، ولذلك جاز بيع قفيز من الصبرة . وإن أسلم في ثوبين بصفة واحدة ، فأخذهما على الصفة ، وأراد بيع أحدهما مرابحة بحصته من الثمن ، فالقياس جوازه ; لأن الثمن ينقسم عليهما نصفين ، لا باعتبار القيمة . وكذلك لو أقاله في أحدهما ، أو تعذر تسليمه ، كان له نصف الثمن ، من غير اعتبار قيمة المأخوذ منهما ، فكأنه أخذ كل واحد منهما منفردا .

                                                                                                                                            ولأن الثمن وقع عليهما متساويا لتساوي صفتهما في الذمة ، فهما كقفيزين من صبرة . وإن حصل في أحدهما زيادة على الصفة ، جرت مجرى الحادث بعد البيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية