الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        والمعارضة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

                        معارضة في الأصل .

                        ومعارضة في الفرع .

                        ومعارضة في الوصف .

                        أما المعارضة في الأصل : فبأن يذكر علة أخرى في الأصل سوى العلة التي علل بها المستدل ، وتكون تلك العلة معدومة ( في الفرع ) ويقول : إن الحكم في الأصل إنما [ ص: 668 ] كان بهذه العلة التي ذكرها المعترض ، لا بالعلة التي ذكرها المستدل .

                        قال ابن السمعاني ، والصفي الهندي : وهذا هو سؤال الفرق .

                        وذكر بعض أهل الأصول : أنه لا فرق بين أن تكون العلة التي يبديها المعترض مستقلة بالحكم ، كمعارضة الكيل بالطعم ، أو غير مستقلة ، بل هي جزء علة ، كزيادة الجارح في القتل العمد العدوان في مسألة القتل بالمثقل ، وهذا إذا كانت العلة التي جاء بها المعترض مسلمة من خصمه ، أو محتملة احتمالا راجحا ، أما إذا تعارضت الاحتمالات ، فقيل : يرجح وصف المستدل .

                        وقيل : وصف المعترض .

                        وقيل : لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر ، بل هو من التحكيم المحض .

                        ثم اختلفوا مع عدم الترجيح هل تقتضي هذه المعارضة إبطال دليل المستدل أم لا ؟ على قولين ، حكاهما الأستاذ أبو منصور .

                        ثم اختلفوا هل يجب على المعترض بيان انتفاء الوصف الذي عارض به الأصل عن الفرع على أقوال :

                        ( الأول ) : أنه لا يجب ، بل على المستدل أن يبين ثبوته في الفرع ، ليصح الإلحاق وإلا بطل الجمع .

                        ( الثاني ) : أنه يجب على المعترض البيان ; لأن الفرق لا يتم إلا بذلك .

                        ( الثالث ) : أنه إن قصد الفرق بين الأصل والفرع ; وجب عليه ذلك ، وإلا لم يجب وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب .

                        وجواب هذه المعارضة يكون إما بمنع وجود الوصف في الأصل ، أو بمنع المناسبة ، أو منع الشبه ، إن أثبته بأحدهما ; لأن المعارضة لا تتم من المعترض ، إلا إذا كان الوصف الذي عارض به في الأصل مناسبا أو شبها ، إذ لو كان طرديا لم تصح المعارضة ، أو بمنع كون الوصف الذي أبداه المعترض ظاهرا ، أو بمنع كونه منضبطا ، أو ببيان إلغاء الوصف الذي وقعت به المعارضة أو ببيان رجوعه إلى عدم وجود وصف في الفرع ، لا [ ص: 669 ] إلى ثبوت معارض في الأصل .

                        وأما المعارضة في الفرع : فهي أن يعارض حكم الفرع بما يقتضي نقيضه ، أو ضده ، بنص أو إجماع ، أو بوجود مانع ، أو بفوات شرط ، فيقول : ما ذكرت من الوصف ، وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع ، فعندي وصف آخر ، يقتضي نقيضه ، أو ضده ، بنص هو كذا ، أو إجماع على كذا ، أو بوجود مانع ، لما ذكرته من الوصف ، أو بفوات شرط له .

                        وقد قبل هذا الاعتراض ، أعني المعارضة في الفرع ، بعض أهل الأصول والجدل ، ونفاه آخرون فقالوا : إن دلالة المستدل على ما ادعاه قد تمت .

                        قال الصفي الهندي : وهو ظاهر إلا فيما إذا كانت المعارضة بفوات شرط .

                        وأما المعارضة في الوصف فهي على قسمين :

                        ( أحدهما ) : أن يكون بضد حكمه .

                        ( والثاني ) : أن يكون في عين حكمه ، مع تعذر الجمع بينهما .

                        مثال الأول : أن يقول المستدل في الوضوء : إنها طهارة حكمية ، فتفتقر إلى النية ، قياسا على التيمم .

                        فيقول المعارض : طهارة بالماء ، فلا تفتقر إلى النية ، قياسا على إزالة النجاسة ، فلا بد عند ذلك من الترجيح .

                        ومثال الثاني : أن يقول المعترض : نفس هذا الوصف الذي ذكرته يدل على خلاف ما تريده ، ثم يوضح ذلك بما يكون محتملا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية