الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قوله : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

                                                                                                                                                                                                                                      قال : " الرفث الإعرابة والتعريض للنساء بالجماع، والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل لصاحبه" .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، والأصبهاني في «الترغيب»، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فرض فيهن الحج فلا رفث قال : "لا جماع" " ولا فسوق" ، قال : "المعاصي والكذب" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وسفيان بن عيينة، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي [ ص: 384 ] شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، من طرق، عن ابن عباس في الآية، قال : الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء ، وفي لفظ : أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : الرفث غشيان النساء والقبل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، والفسوق معاصي الله كلها، والجدال المراء والملاحاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن طاوس قال : سألت ابن عباس، عن قوله : فلا رفث . قال : الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في : أحل لكم ليلة الصيام الرفث . ذاك الجماع، وهذا العرابة بكلام العرب، والتعريض بذكر النكاح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه، والبيهقي ، عن أبي العالية قال : كنت أمشي مع ابن عباس [ ص: 385 ] وهو محرم يرتجز بالإبل ويقول :

                                                                                                                                                                                                                                      وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا

                                                                                                                                                                                                                                      فقلت : أترفث وأنت محرم؟ قال : إنما الرفث ما روجع به النساء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والحاكم وصححه، والبيهقي ، عن ابن عمر في الآية قال : الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال السباب والمنازعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والطبراني في "الأوسط"، عن ابن عمر في قوله : فلا رفث . قال : غشيان النساء، ولا فسوق قال : السباب، ولا جدال . قال : المراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر في الآية قال : الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم، والفسوق إتيان معاصي الله في الحرم، والجدال السباب، والمراء الخصومات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 386 ] وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال : كان ابن عمر يقول للحادي : لا تعرض بذكر النساء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن طاوس أن عبد الله بن الزبير قال : إياكم والنساء، فإن الإعراب من الرفث . قال طاوس : وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : صدق ابن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن طاوس ، أنه كره الإعراب للمحرم، قيل : وما الإعراب؟ قال : أن يقول : لو أحللت قد أصبتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود في الآية قال : الرفث إتيان النساء، والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والشيرازي في «الألقاب»، عن ابن عباس في الآية قال : الرفث الجماع، والفسوق المنابزة بالألقاب، تقول لأخيك : يا ظالم، يا فاسق، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد وعكرمة، قالا : الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 387 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الضحاك وعطاء ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم قال : الرفث إتيان النساء، والفسوق السباب، والجدال المماراة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن قال : الرفث الغشيان، والفسوق السباب، والجدال الاختلاف في الحج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن عبد الله بن الزبير في قوله : فلا رفث قال : لا جماع، ولا فسوق : لا سباب، ولا جدال لا مراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : ولا جدال في الحج قال : الجدال؛ كانت قريش إذا اجتمعت بمنى، قال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم ، وقال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله : ولا جدال في الحج . قال : كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم، فقطعه الله حين أعلم نبيه بمناسكهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن [ ص: 388 ] مجاهد في قوله : ولا جدال في الحج . قال : لا شبهة في الحج، ولا شك في الحج، قد بين وعلم وقته، كانوا يحجون في ذي الحجة عامين، وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر، من أجل النسيء الذي نسأ لهم أبو ثمامة، حتى وافقت حجة أبي بكر في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فذلك حين يقول : "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة ، وابن أبي شيبة ، عن مجاهد في قوله : ولا جدال في الحج . قال : صار الحج في ذي الحجة، فلا شهر ينسأ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" . [ ص: 389 ] وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد في "مسنده" ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قضى نسكه وقد سلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في «الحلية»، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عمل أحب إلى الله من جهاد في سبيله، وحجة مبرورة متقبلة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني في «الترغيب»، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أفضل من حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا، وكانت زاملتنا مع غلام أبي بكر، فجلسنا ننتظر حتى يأتينا، فاطلع الغلام يمشي ما معه بعيره، فقال أبو بكر : أين بعيرك؟ قال : أضلني الليلة . فقام أبو بكر يضربه، بعير واحد أضلك وأنت رجل، فما يزيد [ ص: 390 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم ويقول : "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع!" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن طاوس قال : لا ينظر المحرم في المرآة، ولا يدعو على أحد وإن ظلمه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية