الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أنكر سبحانه اتخاذهم آلهة من دونه تارة بقيد كونها أرضية، وتارة بقيد كونها سماوية، وتارة مطلقة، لتعم كلا من القسمين [ ص: 411 ] وغيرهما، واستدل على ذلك كله بما لم تبق معه شبهة، فدل تفرده على أنه لا مانع له مما يريد من بعث وغيره، وكان علمهم لا يتجاوز ما في السماوات والأرض، قال مستدلا على ذلك أيضا مقررا بما يعلمونه، أو ينبغي أن يسألوا عنه حتى يعلموه لتمكنهم من ذلك فاسألوا أهل الذكر جاليا له في أسلوب العظمة: أولم أي ألم يعلموا ذلك بما أوضحنا من أدلته ولم يروا، ولكنه أظهر للدلالة على أنهم يغطون أنوار الدلائل عنادا فقال: ير أي يعلم علما هو كالمشاهدة الذين كفروا أي ستروا ما يعلمون من قدرة الله فأدى ذلك إلى الاستهانة والتنقص فصار ذنبهم غير مغفور، وسعيهم غير مشكور، وحذف ابن كثير الواو العاطفة على ما قدرته مما هدى إليه السياق أيضا، لا للاستفهام بما دل عليه ختام الآية التي قبل من البعث والجزاء المقتضي للإنكار على من أنكره، فكان المعنى على قراءته: نجزي كل ظالم بعد البعث، ألم ير المنكرون لذلك قدرتنا عليه بما أبدعنا من الخلائق، وإنما أنكر عليهم عدم الرؤية بسبب أن الأجسام وإن تباينت لا ينفصل بعضها عن بعض إلا بقادر يفصل بينها، فمن البديهي الاستحالة أن يرتفع شيء منها [ ص: 412 ] عن الآخر منفصلا عنه بغير رافع لا سيما إذا كان المرتفع ثابتا من غير عماد، فكيف وهو عظيم الجسم كبير الجرم؟ وذلك دال على تمام القدرة والاختيار والتنزه عن كل شائبة نقص من مكافئ وغيره، فصح الإنكار عليهم في عدم علم ذلك بسبب أنهم عملوا بخلاف ما يعلمونه أن السماوات والأرض

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المراد الإخبار عن الجماعتين لا عن الأفراد قال: كانتا ولما كان المراد شدة الاتصال والتلاحم، أخبر عن ذلك بمصدر مفرد وضع موضع الاسم فقال: رتقا أي ملتزقتين زبدة واحدة على وجه الماء، والرتق في اللغة: السد، والفتق: الشق ففتقناهما أي بعظمتنا [أي -] بأن ميزنا إحداهما عن الأخرى بعد التكوين المتقن وفتقنا السماء بالمطر، والأرض بأنواع النبات بعد أن لم يكن شيء من ذلك، ولا كان مقدورا على شيء منه لأحد غيرنا; عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء والضحاك وقتادة : كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله تعالى بينهما بالهواء. وعن مجاهد وأبي صالح والسدي : كانتا مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك [ ص: 413 ] الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع -] طبقات.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان خلق الماء سابقا على خلق السماوات والأرض، قال: وجعلنا [أي بما اقتضته عظمتنا -] من الماء أي الهامر ثم الدافق كل شيء حي مجازا من النبات وحقيقة من الحيوان، خرج الإمام أحمد وغيره "عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن كل شيء، فقال: كل شيء خلق من ماء" ولذلك أجاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الذي وجده على ماء بدر وسأله: ممن هو؟ بقوله: "نحن من ماء" .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا من تصرفه في هذين الكونين ظاهرا ومنتجا لأنهما وكل ما فيهما ومن فيهما بصفة العجز عن أن يكون له تصرف ما، تسبب عنه إنكار عدم إيمانهم فقال: أفلا يؤمنون أي بأن شيئا منهما أو فيهما لا يصلح للإلهية، لا على وجه الشركة ولا على وجه الانفراد، وبأن صانعهما ومبدع النامي من حيوان ونبات منهما بواسطة الماء قادر على البعث للحساب للثواب أو العقاب، بعد أن صار الميت ترابا بماء يسببه لذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية