الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين

                                                                                                                                                                                                "كذلك" الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها "وأورثناها" أو في موضع الرفع على الأمر كذلك. قوما آخرين ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل: كانوا متسخرين مستعبدين في أيديهم، فأهلكهم الله على أيديهم، وأورثهم ملكهم وديارهم. إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكة: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس. وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض". وقال جرير [من البسيط]:

                                                                                                                                                                                                [ ص: 471 ]

                                                                                                                                                                                                تبكي عليك نجوم الليل والقمرا



                                                                                                                                                                                                وقالت الخارجية [من الطويل]:


                                                                                                                                                                                                أيا شجر الخابور ما لك مورقا؟     كأنك لم تجزع على ابن طريف



                                                                                                                                                                                                [ ص: 472 ] وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: من بكاء مصلى المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى: فما بكت عليهم السماء والأرض فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعني: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض، وما كانوا منظرين لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية