الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون "الحسيس ": حركة النار وحسها؛ أي أنهم يبعدهم الله (تعالى) عن النار؛ بحيث لا يسمعون صوت اندلاعها؛ واصطلاء أهلها بها؛ ولكنهم يعلمون أين هم؛ وهذا تأكيد لما جاء في آخر الآية السابقة أولئك عنها مبعدون فهم مبعدون عنها؛ بحيث لا يسمعونها؛ وإذا كانوا مبعدين عن النار؛ فهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون والذي تشتهيه نفوسهم نعيم مقيم؛ وجنات تجري من تحتها الأنهار؛ وغير ذلك مما ذكره الله (تعالى) فيما اشتملت عليه الجنة؛ وما تشتهيه أنفسهم اطمئنان وقرار؛ وبعد عن اللغو؛ وحور عين؛ وأعظم ما تشتهيه أنفسهم رضوان الله (تعالى)؛ فهو أكبر من اللذائذ؛ بل هو لذة أهل الإيمان الأولى؛ وفي التعبير بقوله: في ما اشتهت أنفسهم إشارة إلى أنهم حرموا من شهوات الدنيا الآثمة؛ فنالوها في الآخرة حلالا طيبا.

                                                          وهنا ملاحظتان بيانيتان؛ أولاهما أنه عبر عن نيلهم ما يشتهون بجعل ما يشتهون ظرفا لوجودهم؛ فما يشتهون أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه؛ فهم يعيشون في دائرة ما يشتهون؛ لا يخرجون عن دائرة إجابة رغائبهم؛ فلا يحرمون من شيء يرغبونه.

                                                          ثانيتهما أن الله أكد تمكنهم من رغائبهم فيها؛ أكده بـ "هم "؛ وبتقديم في ما اشتهت أنفسهم للاهتمام والعناية؛ والله - سبحانه - يجزي كل نفس ما كسبت وهو العليم الحكيم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية