الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن حبان ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، يقولون : نحن متوكلون . ثم يعدمون فيسألون الناس، فأنزل الله : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : كان ناس يخرجون من أهلهم ليست معهم أزودة، يقولون : نحج بيت الله ولا يطعمنا! فقال الله : تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 391 ] وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن عمر قال : كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم، رموا بها واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن الزبير قال : كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد، فأمرهم الله أن يتزودوا، فقال : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن إبراهيم النخعي قال : كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون : نتوكل على الله، فأنزل الله : وتزودوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال : كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة ، وابن أبي شيبة ، عن عكرمة في قوله : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال : كان ناس يقدمون مكة بغير زاد في أيام الحج، فأمروا بالزاد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 392 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير : وتزودوا . قال : السويق والدقيق والكعك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وابن أبي شيبة ، عن سعيد بن جبير : وتزودوا . قال : الخشكنانج والسويق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة، عن سعيد بن جبير : وتزودوا . قال : هو الكعك والزيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وسفيان بن عيينة ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن الشعبي قال : وتزودوا . قال : الطعام؛ التمر والسويق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان قال : لما نزلت هذه الآية : وتزودوا . قام رجل من فقراء المسلمين، فقال : يا رسول الله، ما نجد زادا نتزوده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزود ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم به التقوى" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي داود في "المصاحف"، عن سفيان قال : في قراءة عبد الله [ ص: 393 ] (وتزودوا وخير الزاد التقوى) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني في «الترغيب»، عن الزبير بن العوام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " العباد عباد الله، والبلاد بلاد الله، فحيث وجدت خيرا فأقم واتق الله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبغوي في "معجمه"، والبيهقي في "سننه"، والأصبهاني، عن رجل من أهل البادية قال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يعلمني مما علمه الله، فكان فيما حفظت عنه أن قال : " إنك لن تدع شيئا اتقاء الله إلا أعطاك الله خيرا منه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري في "الأدب"، والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في «شعب الإيمان»، والأصبهاني في «الترغيب»، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال : " تقوى الله، وحسن الخلق" . وسئل ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال : " الأجوفان ؛ الفم والفرج" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 394 ] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "التقوى"، عن رجل من بني سليط، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يظلمه، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا"، وأومأ بيده إلى صدره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني، عن قتادة بن عياش قال : لما عقد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي، أتيته مودعا له، فقال : " جعل الله التقوى زادك، وغفر ذنبك، ووجهك للخير حيث تكون" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي، والحاكم ، عن أنس قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله، إني أريد سفرا فزودني . فقال : "زودك الله التقوى" . قال : زدني ، قال : "وغفر ذنبك" . قال : زدني بأبي أنت وأمي ، قال : "ويسر لك الخير حيثما كنت" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه، عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفرا، فقال : أوصني . قال : " أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف"، فلما مضى قال : " اللهم ازو له الأرض، وهون عليه السفر" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 395 ] وأخرج الأصبهاني في «الترغيب»، عن أبي بكر ، أنه قال في خطبته : الصدق أمانة، والكذب خيانة، أكيس الكيس التقى، وأنوك النوك الفجور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "التقوى"، عن عمر بن الخطاب ، أنه كتب إلى ابنه عبد الله : أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، فإنه من اتقاه وفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسنة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن مالك بن دينار قال : سألت الحسن : ما زين القرآن؟ قال : التقوى . قلت : فما عقوبة العالم؟ قال : موت قلبه، وطلبه للدنيا بالآخرة، ولكل شيء زين، وزين القرآن التقوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن قتادة قال : مكتوب في التوراة : ابن آدم، اتق الله ونم حيث شئت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن وهب بن منبه قال : الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله الفقه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 396 ] وأخرج ابن أبي الدنيا، عن داود بن هلال قال : كان يقال : الذي يقيم به العبد وجهه عند الله التقوى، ثم يتبعه الورع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن عروة قال : كتبت عائشة إلى معاوية ، أما بعد، فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس، وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، عن أبي حازم قال : ترصدني أربعة عشر عدوا؛ أما أربعة منها؛ فشيطان يضلني، ومؤمن يحسدني، وكافر يقتلني، ومنافق يبغضني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما العشرة منها؛ فالجوع، والعطش، والحر، والبرد، والعري، والهرم، والمرض، والفقر، والموت، والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام، ولا أجد لهم سلاحا أفضل من التقوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني في «الترغيب»، عن ابن أبي نجيح قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام : أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوه، وعلمنا مما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئا هو أفضل من تقوى الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني، عن زيد بن أسلم قال : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية