الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 162 ] الذين يأكلون الربا أي الآخذون له، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات وهو زيادة في الأجل، بأن يباع مطعوم بمطعوم، أو نقد بنقد إلى أجل، أو في العوض بأن يباع أحدهما بأكثر منه من جنسه، وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع. لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم. إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان إلا قياما كقيام المصروع، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء.

                                                                                                                                                                                                                                        من المس أي الجنون، وهذا أيضا من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله ولذلك قيل: جن الرجل.

                                                                                                                                                                                                                                        وهو متعلق ب لا يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا، أو بيقوم أو بيتخبط فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لا لاختلال عقولهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم. ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا أي ذلك العقاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فاستحلوه استحلاله. وكان الأصل إنما الربا مثل البيع ولكن عكس للمبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا به البيع، والفرق بين فإن من أعطى درهمين بدرهم ضيع درهما، ومن اشترى سلعة تساوي درهما بدرهمين فلعل مساس الحاجة إليها، أو توقع رواجها يجبر هذا الغبن. وأحل الله البيع وحرم الربا إنكار لتسويتهم، وإبطال القياس بمعارضة النص. فمن جاءه موعظة من ربه فمن بلغه وعظ من الله تعالى وزجر كالنهي عن الربا. فانتهى فاتعظ وتبع النهي. فله ما سلف تقدم أخذه التحريم ولا يسترد منه، وما في موضع الرفع بالظرف إن جعلت من موصولة، وبالابتداء إن جعلت شرطية على رأي سيبويه إذ الظرف غير معتمد على ما قبله. وأمره إلى الله يجازيه على انتهائه إن كان من قبول الموعظة وصدق النية.

                                                                                                                                                                                                                                        وقيل يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه. ومن عاد إلى تحليل الربا، إذ الكلام فيه. فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لأنهم كفروا به.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية