الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 453 ] القول في قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه إلى قوله: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [الآيات: 39-58].

                                                                                                                                                                                                                                      فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنـزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنـزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الفاسقون وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم .ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 454 ] [ ص: 455 ] [الأحكام والنسخ]:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم : أجمع العلماء على أن على الحاكم أن يحكم بين المسلم والذمي، واختلفوا في الذميين; فذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة، وأن الحاكم مخير، روي ذلك عن النخعي، والشعبي، وغيرهما، وهو مذهب مالك، والشافعي، وغيرهما، سوى ما روي عن مالك في إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنا، فإنه قال: إذا زنا المسلم بالكتابية ;حد، ولا حد عليها; فإن كان الزانيان ذميين; فلا حد عليهما، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وغيرهما: [أنه لا حد على الذمي والذمية، وقد روي عن أبي حنيفة أيضا] أنه قال: يجلدان، ولا يرجمان، وقال الشافعي، وأبو ثور، وأبو يوسف، وغيرهم: عليهما الحد إذا أتيا راضيين بحكمنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن عمر بن عبد العزيز، والنخعي، وغيرهما: أن التخيير المذكور في الآية منسوخ بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، وأن على الحاكم أن يحكم بينهم، وهو مذهب عطاء الخراساني، وأبي حنيفة، وأصحابه، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية: تقدم ذكر القصاص في النفس في (البقرة) [178].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والعين بالعين : روي أن عليا رضي الله عنه أمر في قصاص العين بأن تحمى مرآة، ثم توضع على العين الأخرى قطنة، ثم تقرب المرآة من عينه [ ص: 456 ] حتى يسيل إنسانها.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن عثمان وعلي رضي الله عنهما: أنه لا قصاص على الأعور إذا فقأ عين الصحيح، وعليه الدية، وقال مالك: إن شاء فقأ عينه، وإن شاء أخذ دية عين أعور كاملة، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: عليه القصاص، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه أيضا، ومذهب مالك، وابن حنبل، وغيرهما: أن في عين الأعور الدية كاملة، ومذهب أبي حنيفة، والشافعي: نصف الدية.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا كسر الأنف عمدا; ففيه القود عند مالك، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي السن القود، قال مالك: الثنية بالثنية، والرباعية بالرباعية، العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، لا تقاد سن إلا بمثلها، فإن لم يكن لها مثل; فالعقل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا قصاص في كل مخوف، ولا فيما لا يوصل إلى القصاص فيه إلا بأن يخطئ الضارب، أو يزيد، أو ينقص.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقاد من جراحات العمد إذا كانت مما يمكن القود فيه، وهذا كله في العمد، فأما الخطأ; فقد ذكرنا في (الكبير) جملة من ديات الجراحات، والأعضاء، مما هو دون النفس، وديات النفس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 457 ] وقوله: فمن تصدق به فهو كفارة له : (الهاء) في (له) تصلح أن تكون للولي، وتصلح أن تكون للمجروح، وتصلح أن تكون للجارح، والمعنى: من تصدق بأرش جرحه; هدم عنه من ذنوبه بمقدار ما تصدق به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة في قوله: فهو كفارة له : يعني: لولي القتيل، وقال زيد بن أسلم: للجاني.

                                                                                                                                                                                                                                      فيحتمل - على ما قدمناه - أن يكون (من) اسم المجروح، أو ولي الدم، و (الهاء) في (به): [لأرش الجرح، و (الهاء) في (له) للجارح.

                                                                                                                                                                                                                                      ويحتمل أن يكون (من) اسم الجاني، و (الهاء) في (به) ]: للقتل، [أو الجرح، و (الهاء) في (له) للفاعل، والمعنى: من تصدق ببيان أنه الفاعل; فالإقرار كفارة للمقر، وهو قول مجاهد].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية