الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر سبحانه عن إعراضهم عن الساعة تكذيبا، واستدل على كونها منزهة عن الغيب في خلق هذا العالم وتعاليه عن [جميع -] صفات النقص واتصافه بأوصاف الكمال إلى أن ختم ذلك بمثل ما ابتدأ به على وجه أصرح، وكان فيه تنبيههم على الابتلاء [ ص: 419 ] [وكان الابتلاء -] على قدر النعم، فكان صلى الله عليه وسلم أعظم شيء ابتلوا به لأنه لا نعمة أعظم من النعمة به، ولا شيء أظهر من آياته عطف على قوله وأسروا النجوى قوله: وإذا رآك أي وأنت أشرف الخلق [وكلك -] جد وجلال وعظمة وكمال الذين كفروا فأظهر منبها على أن ظلمهم الذي أوجب لهم ذلك هو الكفر وإن كان في أدنى رتبة، تبشيعا له وتنبيها على أنه يطمس الفكر مطلقا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عن الهزء، قال منبها على أنهم أعرقوا في الكفر حتى بلغوا الذروة: إن أي ما يتخذونك أي حال الرؤية، وسيعلم من يبقى منهم عما قليل أنك جد كلك إلا هزوا أي جعلوك بحمل أنفسهم على ضد ما يعتقد عين ما ليس فيك شيء منه; ثم بين استهزاءهم به بأنهم يقولون إنكارا واستصغارا: أهذا الذي يذكر [أي -] بالسوء آلهتكم [قال أبو حيان -]: والذكر يكون بالخير والشر، [فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه - ] [انتهى -]. فإذا [ ص: 420 ] دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه وهم أي والحال أنهم على حال كانوا بها أصلا في الهزء، وهي أنهم بذكر الرحمن الذي لا نعمة عليهم ولا على غيرهم إلا منه، وكرر الضمير تعظيما بما أتوا به من القباحة فقال: هم أي بظواهرهم وبواطنهم كافرون أي ساترون لمعرفتهم به، فلا أعجب ممن هو محل للهزء لكونه أنكر ذكر من لا نعمة منه ولا نقمة أصلا بالسوء، وهو يذكر من كل نعمة منه بالسوء ويهزأ به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية