الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4925 ] يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين "يوم "؛ هذه متعلقة بـ "الفزع الأكبر "؛ فهو ظرف مبين لنوع الفزع الأكبر؛ وما يكون فيه من أهوال هائلة؛ إذ تطوى السماء كطي السجل للكتب؛ ويصح أن نقول إن "يوم "؛ متعلق بقوله (تعالى): "توعدون "؛ وأميل إلى الأول; لأنه مناسب للفزع الأكبر؛ و "الطي "؛ معناه: درج المكتوب؛ ويتضمن إخفاءه؛ وطمسه؛ أو التعمية؛ أو محوه؛ والمعنى أن السماء بكواكبها ونجومها تطوى؛ فتنكدر كواكبها وشموسها ونجومها؛ كما قال (تعالى): إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت ؛ وكما قال (تعالى): إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت ؛ وكما قال (تعالى): وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ؛ و "السجل "؛ هو الصك؛ وأصلها من "السجل "؛ وهو الدلو؛ ويقال: "ساجل الرجل الرجل "؛ إذا نزع كل واحد دلوا في نظير دلو الآخر؛ ثم استعير للمكاتبات؛ وقال (تعالى) - بعد بيان زوال الأرض والسماء في يوم الفزع الأكبر -: "كما بدأنا أول خلق نعيده "؛ أي أننا نطوي السماء ونزلزل الأرض لتغيير الكون؛ وذلك بالإنشاء أولا؛ ثم الإزالة؛ ثم الإعادة؛ كشأننا في بدئنا الخلق؛ ثم إعادته؛ وهذه العبارة تحمل في نفسها دليل صدقها؛ وذلك أن من كان قادرا على الابتداء للخلق؛ قادر على إعادته؛ كما قال: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة

                                                          "وعدا علينا "؛ منصوب "وعدا "؛ على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والمعنى: وعدناه وعدا علينا؛ وأكده - سبحانه - بهذا المصدر؛ وبأنه - سبحانه وتعالى - ألزم به نفسه؛ وأنه صار حقا عليه؛ والله - عز وجل - لا يخلف الميعاد؛ فلا يمكن أن يخلف وعده؛ وأكد الوعد مرة أخرى بأنه ينقله من الوعد إلى الفعل؛ فقال: إنا كنا فاعلين أي: فاعلون الإعادة حتما؛ لأنه - سبحانه - لم يخلق الإنسان عبثا؛ كما قال - سبحانه -: أفحسبتم أنما [ ص: 4926 ] خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ؛ وقد أكد - سبحانه - الإعادة بـ "إن "؛ ونسبة الفعل إليه؛ وهو العزيز الحكيم؛ وأكده بالجملة الاسمية؛ وبالتعبير باسم الفاعل؛ وهو على كل شيء قدير.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية