الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع وشعبة عن عاصم يوم نقول بالنون الدالة على العظمة . وقرأه نافع وشعبة " يوم يقول " بالياء ، وعلى قراءتهما فالفاعل ضمير يعود إلى الله ، واعلم أن الاستفهام في قوله : هل من مزيد فيه للعلماء قولان معروفان : الأول : أن الاستفهام إنكاري كقوله تعالى : هل يهلك إلا القوم الظالمون [ 6 \ 47 ] ، أي ما يهلك إلا القوم الظالمون ، وعلى هذا فمعنى هل من مزيد لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار ، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله كقوله تعالى : ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 32 \ 13 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 430 ] وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 119 ] ، قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] ، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة " يس " في الكلام على قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم [ 36 \ 7 ] ، لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة في " لأملأن " على أنه يملأ جهنم من الجنة والناس - دليل على أنها لا بد أن تمتلئ ، ولذا قالوا : إن معنى هل من مزيد لا مزيد ، لأني قد امتلأت فليس في محل للمزيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما القول الآخر ، فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار : هل من مزيد ؟ هو طلبها للزيادة ، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط أي كفاني قد امتلأت ، وهذا الأخير هو الأصح ، ولما ثبت في الصحيحين ، وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " إن جهنم لا تزال تقول : هل من مزيد ، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط " ، لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها : قط قط ، أي كفاني قد امتلأت ، وأن قولها قبل ذلك : هل من مزيد لطلب الزيادة ، وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات ، وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة الأعراف والقتال . واعلم أن قول النار في هذه الآية : هل من مزيد - قول حقيقي ينطقها الله به ، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض :


                                                                                                                                                                                                                                      امتلأ الحوض فقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني

                                                                                                                                                                                                                                      وإن المراد بقولها ذلك هو ما يفهم من حالها خلاف التحقيق ، وقد أوضحنا ذلك بأدلته في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا [ 25 \ 12 ] ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية