الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن [32]

                                                                                                                                                                                                                                        ولم يقل: كواحدة لأن "أحدا" نفي عام يقع للمذكر والمؤنث، والجميع على لفظ واحد فلا تخضعن بالقول في موضع جزم بالنهي إلا أنه مبني كما بني الماضي، هذا مذهب سيبويه ، وقال أبو العباس محمد بن يزيد حكاه لنا علي بن سليمان عنه، ولا أعلمه في شيء من كتبه، قال: إذا اعتل الشيء من جهتين وهو اسم منع الصرف فإذا اعتل من ثلاث جهات بني لأنه ليس بعد ترك الصرف إلا البناء فهذا الفعل معتل من ثلاث جهات: منها أن الفعل أثقل من الاسم وهو جمع، والجمع أثقل من الواحد وهو للمؤنث، والمؤنث أثقل من المذكر، وهذا القول عند أبي إسحاق خطأ، وقال: يلزمه ألا يصرف فرعون إذا سمي به [ ص: 313 ] امرأة لأن فيه ثلاث علل. فيطمع الذي في قلبه مرض منصوب لأنه جواب النهي، وقد بيناه بأكثر من هذا، وحكى أبو حاتم أن الأعرج قرأ (فيطمع الذي في قلبه مرض) بفتح الياء وكسر الميم. قال أبو جعفر : أحسب هذا غلطا وأن يكون قرأ (فيطمع الذي) بفتح الميم وكسر العين يعطفه على "يخضعن" وهذا وجه جيد حسن، ويجوز "فيطمع" الذي بمعنى فيطمع الخضوع أو القول (وقلن قولا معروفا). " وقرن في بيوتكن " [33].

                                                                                                                                                                                                                                        هذه قراءة أبي عمرو والأعمش وحمزة والكسائي ، وقرأ أهل المدينة وعاصم (وقرن) بفتح القاف. و"قرن" بكسر القاف فيه تقديران: أما مذهب الفراء وأبي عبيد فإنه من الوقار ويقال: وقر يقر وقورا إذا ثبت في منزله، والقول الآخر أن يكون من قر في المكان يقر بكسر القاف، فيكون الأصل وقررن حذفت الراء الأولى استثقالا للتضعيف وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن كما يقال: ظلت أفعل بكسر الظاء. فأما و"قرن" فقد تكلم فيه جماعة من أهل العربية فزعم أبو حاتم أنه لا مذهب له في كلام العرب، وزعم أبو عبيد أن أشياخه كانوا ينكرونه من كلام العرب. قال أبو جعفر : أما في قول أبي عبيد : إن أشياخه أنكروه، ذكر هذا في كتاب القراءات فإنه قد حكى في الغريب المصنف نقض هذا. حكي عن الكسائي أن أهل الحجاز يقولون: قررت في [ ص: 314 ] المكان أقر. والكسائي من أجل مشايخه، ولغة أهل الحجاز هي اللغة القديمة الفصيحة. وأما قول أبي حاتم: أنه لا مذهب له فقد خولف فيه، وفيه مذهبان: أحدهما ما حكاه الكسائي ، والآخر ما سمعت علي بن سليمان يقوله، قال: هو من قررت به عينا أقر. فالمعنى: واقررن به عينا في بيوتكن، وهذا وجه حسن إلا أن الحديث يدل على أنه من الأول كما روي أن عمارا قال لعائشة رضي الله عنهما: إن الله جل وعز أمرك أن تقري في منزلك، فقالت: يا أبا اليقظان ما زلت قوالا بالحق، فقال: الحمد لله الذي جعلني كذلك على لسانك. ولا تبرجن قال أبو العباس: حقيقة التبرج إظهار الزينة وإظهار ما ستره أحسن، وهو مأخوذ من السعة. يقال: في أسنانه تبرج إذا كانت متفرقة. قال: و"الجاهلية الأولى" كما تقول: الجاهلية الجهلاء، قال: وكانت النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرون ما يقبح إظهاره حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلمها فينفرد خلمها بما فوق الإزار إلى الأعلى، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى الأسفل، وربما سأل أحدهما صاحبه البدل. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال أبو إسحاق : قيل: يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته. قال أبو جعفر : والحديث في هذا مشهور عن أم سلمة وأبي سعيد الخدري أن هذا نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وكان عليهم كساء، وقوله: "عنكم" يدل على أنه ليس للنساء خاصة. قال أبو إسحاق : "أهل البيت" نصب على المدح، قال: [ ص: 315 ] وإن شئت على النداء. قال: ويجوز الرفع والخفض. قال أبو جعفر : إن خفضت على أنه يدل من الكاف والميم لم يجز عند محمد بن يزيد ، قال: لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب، لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين. ويطهركم تطهيرا مصدر فيه معنى التوكيد حولت المخاطبة على الحديث المروي إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال جل وعز: واذكرن ما يتلى في بيوتكن [34]

                                                                                                                                                                                                                                        خففت النون الأولى لأنها بمنزلة واو المذكر، تقول في المذكر واذكروا، وثقلت في الثاني لأنها بمنزلة الميم والواو في قولك: في بيوتكم إلا أن الواو يجوز حذفها لثقلها، وإن قبلها ميما يدل عليها. من آيات الله والحكمة أكثر أهل التفسير على أن الحكمة ههنا السنة وبعضهم يقول: هي من الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية