الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( باب العين مع الصاد )

                                                          ( عصب ) * فيه أنه ذكر الفتن وقال : فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيتبعونه . العصائب : جمع عصابة ، وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ، ولا واحد لها من لفظها .

                                                          ومنه حديث علي " الأبدال بالشام ، والنجباء بمصر ، والعصائب بالعراق " أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق . وقيل : أراد جماعة من الزهاد وسماهم بالعصائب ; لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء .

                                                          [ ص: 244 ] ( هـ ) وفيه ثم يكون في آخر الزمان أمير العصب هي جمع عصبة كالعصابة ، ولا واحد لها من لفظها . وقد تكرر ذكرهما في الحديث .

                                                          ( هـ ) وفيه أنه - عليه السلام - شكى إلى سعد بن عبادة عبد الله بن أبي فقال : اعف عنه فقد كان اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يعصبوه بالعصابة ، فلما جاء الله بالإسلام شرق بذلك يعصبوه : أي يسودوه ويملكوه . وكانوا يسمون السيد المطاع : معصبا ; لأنه يعصب بالتاج أو تعصب به أمور الناس : أي ترد إليه وتدار به . [ وكان يقال له أيضا : المعمم ] والعمائم تيجان العرب ، وتسمى العصائب ، واحدتها : عصابة .

                                                          ( س ) ومنه الحديث أنه رخص في المسح على العصائب والتساخين وهي كل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة .

                                                          * ومنه حديث المغيرة " فإذا أنا معصوب الصدر " كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة ، وربما جعل تحتها حجرا .

                                                          * ومنه حديث علي " فروا إلى الله وقوموا بما عصبه بكم " أي بما افترضه عليكم وقرنه بكم من أوامره ونواهيه .

                                                          ( س ) ومنه حديث بدر قال عتبة بن ربيعة : ارجعوا ولا تقاتلوا واعصبوها برأسي ، يريد السبة التي تلحقهم بترك الحرب والجنوح إلى السلم ، فأضمرها اعتمادا على معرفة المخاطبين : أي اقرنوا هذه الحال بي وانسبوها إلي وإن كانت ذميمة .

                                                          ( س ) وفي حديث بدر أيضا لما فرغ منها أتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار أي ركبه وعلق به ، من : عصب الريق فاه إذا لصق به . ويروى " عصم " بالميم ، وسيجيء .

                                                          ( هـ ) وفي خطبة الحجاج " لأعصبنكم عصب السلمة " هي شجرة ورقها القرظ ، ويعسر خرط ورقها فتعصب أغصانها ; بأن تجمع ويشد بعضها إلى بعض بحبل ، ثم تخبط بعصا فيتناثر ورقها . وقيل : إنما يفعل بها ذلك إذا أرادوا قطعها حتى يمكنهم الوصول إلى أصلها .

                                                          [ ص: 245 ] ( هـ ) ومنه حديث عمرو ومعاوية " إن العصوب يرفق بها حالبها فتحلب العلبة " العصوب من النوق : التي لا تدر حتى يعصب فخذاها : أي يشدان بالعصابة .

                                                          وفيه المعتدة لا تلبس المصبغة إلا ثوب عصب العصب : برود يمنية يعصب غزلها : أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ . يقال : برد عصب ، وبرود عصب بالتنوين والإضافة . وقيل : هي برود مخططة . والعصب : الفتل ، والعصاب : الغزال ، فيكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج .

                                                          ( س ) ومنه حديث عمر " أنه أراد أن ينهى عن عصب اليمن " ، وقال : نبئت أنه يصبغ بالبول . ثم قال : نهينا عن التعمق .

                                                          ( س ) وفيه أنه قال لثوبان : اشتر لفاطمة قلادة من عصب ، وسوارين من عاج قال الخطابي في " المعالم " : إن لم تكن الثياب اليمانية فلا أدري ما هي ، وما أرى أن القلادة تكون منها .

                                                          وقال أبو موسى : يحتمل عندي أن الرواية إنما هي " العصب " بفتح الصاد ، وهي أطناب مفاصل الحيوانات ، وهو شيء مدور ، فيحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة فيقطعونه ويجعلونه شبه الخرز ، فإذا يبس يتخذون منه القلائد ، وإذا جاز وأمكن أن يتخذ من عظام السلحفاة وغيرها الأسورة جاز ، وأمكن أن يتخذ من عصب أشباهها خرز تنظم منه القلائد .

                                                          قال : ثم ذكر لي بعض أهل اليمن : أن العصب سن دابة تسمى فرس فرعون ، يتخذ منها الخرز وغير الخرز من نصاب سكين وغيره ، ويكون أبيض .

                                                          وفيه العصبي من يعين قومه على الظلم العصبي : هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم . والعصبة : الأقارب من جهة الأب ، لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم : أي يحيطون به ويشتد بهم .

                                                          [ ص: 246 ] * ومنه الحديث ليس منا من دعا إلى عصبية ، أو قاتل عصبية العصبية والتعصب : المحاماة والمدافعة . وقد تكرر في الحديث ذكر العصبة والعصبية .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الزبير لما أقبل نحو البصرة وسئل عن وجهه فقال :

                                                          علقتهم إني خلقت عصبه قتادة تعلقت بنشبه

                                                          العصبة : اللبلاب ، وهو نبات يتلوى على الشجر . والنشبة من الرجال : الذي إذا علق بشيء لم يكد يفارقه . ويقال للرجل الشديد المراس : قتادة لويت بعصبة . والمعنى خلقت علقة لخصومي . فوضع العصبة موضع العلقة ، ثم شبه نفسه في فرط تعلقه وتشبثه بهم بالقتادة إذا استظهرت في تعلقها واستمسكت بنشبة : أي بشيء شديد النشوب . والباء التي في " بنشبة " للاستعانة ، كالتي في : كتبت بالقلم .

                                                          * وفي حديث المهاجرين إلى المدينة " فنزلوا العصبة " وهو موضع بالمدينة عند قباء ، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد .

                                                          ( س ) وفيه أنه كان في مسير [ فرفع صوته ] فلما سمعوا صوته اعصوصبوا أي اجتمعوا وصاروا عصابة واحدة وجدوا في السير ، واعصوصب السير : اشتد ، كأنه من الأمر العصيب وهو الشديد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية