الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 224 ] 249 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذنه للعباس بن عبد المطلب في البيتوتة بمكة ليالي منى من أجل السقاية

1564 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، { أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له } .

1565 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، [ ص: 225 ] قال : حدثنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته } .

1566 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع - ولا أعلمه إلا عن ابن عمر - أن { العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت ليالي منى بمكة من أجل السقاية ، فأذن له } .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس البيتوتة بمكة ليالي منى من أجل السقاية لاحتياجها إليه في إقامتها [ ص: 226 ] للناس ، ففي ذلك ما قد دل أن من سواه من الناس ممن لا حاجة بالسقاية إليه في ذلك بخلافه .

قال قائل : فقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يفعله في تلك الليالي ما يخالف هذا ، وذكر .

1567 - ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، قال : دفع إلي معاذ بن هشام كتابا ولم أسمعه منه ، وقال : سمعته من أبي ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى } .

[ ص: 227 ] فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن هذا الحديث عندنا مخالف للحديث الأول ؛ لأن الذي في الحديث الأول إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس البيتوتة بمكة لحاجة السقاية إلى ذلك منه .

والدليل على منع غيره من مثل ذلك ممن لا حاجة بالسقاية إليه ، والذي في حديث ابن عباس زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت في كل ليلة من ليالي منى ، وليس في ذلك بيتوتته صلى الله عليه وسلم بمكة ؛ لأنه قد يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم يزور البيت ، ثم يرجع فيبيت في ليلته تلك بمنى فيكون ممن قد بات بها .

وفي ذلك ما قد دل على أنه إنما أريد من الحاج البيتوتة بمنى ليالي منى ، ولم يرد منهم أن لا يبرحوا عن منى في تلك الليالي ، ألا ترى أنه جائز لهم أن يخرجوا منها في الليل حتى يأتوا مكة فيطوفون بالبيت [ ص: 228 ] طواف الزيارة ، ثم يرجعون إليها فيبيتون بها ، ولا يكونون بذلك متخلفين عن البيتوتة بها ، وكذلك المتعارف في البيتوتات ، ألا ترى أن من حلف أن لا يبيت في هذا المنزل هذه الليلة ، فأقام فيه أقل من نصفها ، ثم خرج عنه إلى غيره ، فأقام فيه بقيتها حتى أصبح : أنه لم يحنث في يمينه ؛ لأنه لم يبت فيه ، وأنه لو كان أقام فيه أكثر من نصفها ، ثم خرج إلى غيره ، فأقام فيه بقيتها حتى أصبح أنه قد حنث ؛ لأنه قد بات فيه .

هكذا المتعارف ، ألا ترى أن من لقي رجلا في الليل قبل أن يمضي نصفه أنه جائز أن يقول له : أين تبيت الليلة ؟ وأنه لو لقيه بعد أن مضى نصفه أنه جائز أن يقول له : أين بت الليلة ؟ فكذلك ما ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من زيارته البيت في كل ليلة من ليالي منى هو عندنا - والله أعلم - على أنه يرجع منه إلى منى قبل أن يمضي نصف الليل ، فيكون بها حتى يصبح فيها ، فيكون بذلك بائتا فيها ، فاتفق بحمد الله ونعمته هذا الحديث ومعنى الحديث الأول ولم يختلفا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية