الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ درأ ]

                                                          درأ : الدرء : الدفع . درأه يدرؤه درءا ودرأة : دفعه .

                                                          وتدارأ القوم : تدافعوا في الخصومة ونحوها واختلفوا .

                                                          ودارأت ، بالهمز : دافعت .

                                                          وكل من دفعته عنك فقد درأته . قال أبو زبيد :


                                                          كان عني يرد درؤك بعد [ ص: 234 ] الله شغب المستصعب المريد

                                                          يعني كان دفعك .

                                                          وفي التنزيل العزيز : فادارأتم فيها .

                                                          وتقول : تدارأتم ، أي اختلفتم وتدافعتم .

                                                          وكذلك ادارأتم ، وأصله تدارأتم ، فأدغمت التاء في الدال واجتلبت الألف ليصح الابتداء بها ; وفي الحديث : إذا تدارأتم في الطريق ; أي تدافعتم واختلفتم .

                                                          والمدارأة : المخالفة والمدافعة . يقال : فلان لا يدارئ ولا يماري ; وفي الحديث : كان لا يداري ولا يماري ; أي لا يشاغب ولا يخالف ، وهو مهموز ، وروي في الحديث غير مهموز ليزاوج يماري .

                                                          وأما المدارأة في حسن الخلق والمعاشرة فإن ابن الأحمر يقول فيه : إنه يهمز ولا يهمز . يقال : دارأته مدارأة وداريته إذا اتقيته ولاينته . قال أبو منصور : من همز ، فمعناه الاتقاء لشره ، ومن لم يهمز جعله من دريت بمعنى ختلت ; وفي حديث قيس بن السائب قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكي ، فكان خير شريك لا يدارئ ولا يماري . قال أبو عبيد : المدارأة هاهنا مهموز من دارأت ، وهي المشاغبة والمخالفة على صاحبك .

                                                          ومنه قوله تعالى : فادارأتم فيها ; يعني اختلافهم في القتيل ، وقال الزجاج : معنى فادارأتم : فتدارأتم ، أي تدافعتم ، أي ألقى بعضكم إلى بعض ، يقال : دارأت فلانا أي دافعته .

                                                          ومن ذلك حديث الشعبي في المختلعة إذا كان الدرء من قبلها ، فلا بأس أن يأخذ منها ; يعني بالدرء النشوز والاعوجاج والاختلاف .

                                                          وقال بعض الحكماء : لا تتعلموا العلم لثلاث ولا تتركوه لثلاث : لا تتعلموه للتداري ولا للتماري ولا للتباهي ، ولا تدعوه رغبة عنه ، ولا رضا بالجهل ، ولا استحياء من الفعل له .

                                                          ودارأت الرجل : إذا دافعته ، بالهمز .

                                                          والأصل في التداري التدارؤ ، فترك الهمز ونقل الحرف إلى التشبيه بالتقاضي والتداعي .

                                                          وإنه لذو تدرإ أي حفاظ ومنعة وقوة على أعدائه ومدافعة ، يكون ذلك في الحرب والخصومة ، وهو اسم موضوع للدفع ، تاؤه زائدة ، لأنه من درأت ، ولأنه ليس في الكلام مثل جعفر .

                                                          ودرأت عنه الحد وغيره ، أدرؤه درءا إذا أخرته عنه .

                                                          ودرأته عني أدرؤه درءا : دفعته .

                                                          وتقول : اللهم إني أدرأ بك في نحر عدوي لتكفيني شره .

                                                          وفي الحديث : ادرءوا الحدود بالشبهات ; أي ادفعوا ، وفي الحديث : اللهم إني أدرأ بك في نحورهم ; أي أدفع بك لتكفيني أمرهم ، وإنما خص النحور لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع .

                                                          وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها ; أي يدافعها ، وروي بغير همز من المداراة ; قال الخطابي : وليس منها .

                                                          وقولهم : السلطان ذو تدرإ ، بضم التاء ، أي ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه ، وهو اسم موضوع للدفع ، والتاء زائدة كما زيدت في ترتب وتنضب وتتفل ; قال ابن الأثير : ذو تدرإ أي ذو هجوم لا يتوقى ولا يهاب ، ففيه قوة على دفع أعدائه ; ومنه حديث العباس بن مرداس - رضي الله عنه :


                                                          وقد كنت في القوم ذا تدرإ     فلم أعط شيئا ولم أمنع

                                                          واندرأت عليه اندراء ، والعامة تقول اندريت .

                                                          ويقال : درأ علينا فلان دروءا إذا خرج مفاجأة .

                                                          وجاء السيل درءا : ظهرا .

                                                          ودرأ فلان علينا ، وطرأ إذا طلع من حيث لا ندري . غيره : واندرأ علينا بشر وتدرأ : اندفع .

                                                          ودرأ السيل واندرأ : اندفع .

                                                          وجاء السيل درءا ودرءا إذا اندرأ من مكان لا يعلم به فيه ; وقيل : جاء الوادي درءا ، بالضم ، إذا سال بمطر واد آخر ; وقيل : جاء درءا أي من بلد بعيد ، فإن سال بمطر نفسه قيل : سال ظهرا ، حكاه ابن الأعرابي ; واستعار بعض الرجاز الدرء لسيلان الماء من أفواه الإبل في أجوافها لأن الماء إنما يسيل هنالك غريبا أيضا إذ أجواف الإبل ليست من منابع الماء ، ولا من مناقعه ، فقال :


                                                          جاب لها لقمان في قلاتها     ماء نقوعا لصدى هاماتها
                                                          تلهمه لهما بجحفلاتها     يسيل درءا بين جانحاتها

                                                          فاستعار للإبل جحافل ، وإنما هي لذوات الحوافر ، وسنذكره في موضعه .

                                                          ودرأ الوادي بالسيل : دفع ; وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه :


                                                          صادف درء السيل درءا يدفعه

                                                          يقال للسيل إذا أتاك من حيث لا تحتسبه : سيل درء أي يدفع هذا ذاك وذاك هذا .

                                                          وقول العلاء بن منهال الغنوي في شريك بن عبد الله النخعي :


                                                          ليت أبا شريك كان حيا     فيقصر حين يبصره شريك
                                                          ويترك من تدريه علينا     إذا قلنا له هذا أبوك

                                                          قال ابن سيده : إنما أراد من تدرئه ، فأبدل الهمزة إبدالا صحيحا حتى جعلها كأن موضوعها الياء وكسر الراء لمجاورة هذه الياء المبدلة كما كان يكسرها لو أنها في موضوعها حرف علة كقولك تقضيها وتخليها ، ولو قال من تدرئه لكان صحيحا ، لأن قوله تدرئه مفاعلتن ; قال : ولا أدري لم فعل العلاء هذا مع تمام الوزن وخلوص تدرئه من هذا البدل الذي لا يجوز مثله إلا في الشعر ، اللهم إلا أن يكون العلاء هذا لغته البدل .

                                                          ودرأ الرجل يدرأ درءا ودروءا : مثل طرأ .

                                                          وهم الدراء والدرآء .

                                                          ودرأ عليهم درءا ودروءا : خرج ، وقيل : خرج فجأة ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          أحس ليربوع وأحمي ذمارها     وأدفع عنها من دروء القبائل

                                                          أي من خروجها وحملها .

                                                          وكذلك اندرأ وتدرأ . ابن الأعرابي : الدارئ : العدو المبادئ ; والدارئ : الغريب . يقال : نحن فقراء درآء .

                                                          والدرء : الميل .

                                                          واندرأ الحريق : انتشر .

                                                          وكوكب دريء على فعيل : مندفع في مضيه من المشرق إلى المغرب من ذلك ، والجمع دراريء على وزن دراريع .

                                                          وقد درأ الكوكب دروءا . قال أبو عمرو بن العلاء : سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت : هذا الكوكب الضخم ما تسمونه ؟ قال : الدريء ، وكان من أفصح [ ص: 235 ] الناس .

                                                          قال أبو عبيد : إن ضممت الدال ، فقلت دري ، يكون منسوبا إلى الدر ، على فعلي ، ولم تهمزه ، لأنه ليس في كلام العرب فعيل . قال الشيخ أبو محمد بن بري : في هذا المكان قد حكى سيبويه أنه يدخل في الكلام فعيل ، وهو قولهم للعصفر : مريق ، وكوكب دريء .

                                                          ومن همزه من القراء ، فإنما أراد فعولا مثل سبوح ، فاستثقل الضم ، فرد بعضه إلى الكسر .

                                                          وحكى الأخفش عن بعضهم : دريء ، من درأته ، وهمزها وجعلها على فعيل مفتوحة الأول ; قال : وذلك من تلألئه . قال الفراء : والعرب تسمي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها : الدراري .

                                                          التهذيب : وقوله تعالى : كأنها كوكب دري ، روي عن عاصم أنه قرأها دري ، فضم الدال ، وأنكره النحويون أجمعون ، وقالوا : دريء ، بالكسر والهمز ، جيد ، على بناء فعيل ، يكون من النجوم الدرارئ التي تدرأ أي تنحط وتسير ; قال الفراء : الدريء من الكواكب : الناصعة ; وهو من قولك : درأ الكوكب كأنه رجم به الشيطان فدفعه . قال ابن الأعرابي : درأ فلان علينا أي هجم . قال : والدريء : الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان ، وأنشد لأوس بن حجر يصف ثورا وحشيا :


                                                          فانقض كالدريء يتبعه     نقع يثوب تخاله طنبا

                                                          قوله : تخاله طنبا : يريد تخاله فسطاطا مضروبا .

                                                          وقال شمر : يقال درأت النار إذا أضاءت .

                                                          وروى المنذري عن خالد بن يزيد قال : يقال درأ علينا فلان وطرأ إذا طلع فجأة .

                                                          ودرأ الكوكب دروءا ، من ذلك . قال : وقال نصر الرازي : دروء الكوكب : طلوعه . يقال : درأ علينا .

                                                          وفي حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى المغرب ، فلما انصرف درأ جمعة من حصى المسجد ، وألقى عليها رداءه ، واستلقى ; أي سواها بيده وبسطها ; ومنه قولهم : يا جارية ادرئي إلي الوسادة أي ابسطي .

                                                          وتقول : تدرأ علينا فلان أي تطاول . قال عوف بن الأحوص :


                                                          لقينا من تدرئكم علينا     وقتل سراتنا ذات العراقي

                                                          أراد بقوله ذات العراقي أي : ذات الدواهي ، مأخوذ من عراقي الإكام ، وهي التي لا ترتقى إلا بمشقة .

                                                          والدريئة : الحلقة التي يتعلم الرامي الطعن والرمي عليها . قال عمرو بن معد يكرب :


                                                          ظللت كأني للرماح دريئة     أقاتل عن أبناء جرم وفرت

                                                          قال الأصمعي : هو مهموز .

                                                          وفي حديث دريد بن الصمة في غزوة حنين : دريئة أمام الخيل . الدريئة : حلقة يتعلم عليها الطعن ; وقال أبو زيد : الدريئة ، مهموز : البعير أو غيره الذي يستتر به الصائد من الوحش ، يختل حتى إذا أمكن رميه رمى ; وأنشد بيت عمرو أيضا ، وأنشد غيره في همزه أيضا :


                                                          إذا ادرؤوا منهم بقرد رميته     بموهية توهي عظام الحواجب

                                                          غيره : الدريئة : كل ما استتر به من الصيد ليختل من بعير أو غيره هو مهموز لأنها تدرأ نحو الصيد أي تدفع ، والجمع الدرايا والدرائئ ، بهمزتين ، كلاهما نادر .

                                                          ودرأ الدريئة للصيد يدرؤها درءا : ساقها واستتر بها ، فإذا أمكنه الصيد رمى .

                                                          وتدرأ القوم : استتروا عن الشيء ليختلوه .

                                                          وادرأت للصيد ، على افتعلت : إذا اتخذت له دريئة . قال ابن الأثير : الدرية ، بغير همز : حيوان يستتر به الصائد ، فيتركه يرعى مع الوحش ، حتى إذا أنست به وأمكنت من طالبها ، رماها .

                                                          وقيل : على العكس منهما في الهمز وتركه .

                                                          الأصمعي : إذا كان مع الغدة ، وهي طاعون الإبل ، ورم في ضرعها فهو دارئ . ابن الأعرابي : إذا درأ البعير من غدته رجوا أن يسلم ; قال : ودرأ إذا ورم نحره .

                                                          ودرأ البعير يدرأ دروءا فهو دارئ : أغد وورم ظهره ، فهو دارئ ، وكذلك الأنثى دارئ ، بغير هاء . قال ابن السكيت : ناقة دارئ إذا أخذتها الغدة من مراقها ، واستبان حجمها .

                                                          قال : ويسمى الحجم درءا ، بالفتح ، وحجمها نتوؤها ، والمراق ، بتخفيف القاف : مجرى الماء من حلقها ، واستعاره رؤبة للمنتفخ المتغضب ، فقال :


                                                          يا أيها الدارئ كالمنكوف     والمتشكي مغلة المحجوف

                                                          جعل حقده الذي نفخه بمنزلة الورم الذي في ظهر البعير ، والمنكوف : الذي يشتكي نكفته ، وهي أصل اللهزمة .

                                                          وأدرأت الناقة بضرعها ، وهي مدرئ إذا استرخى ضرعها ; وقيل : هو إذا أنزلت اللبن عند النتاج .

                                                          والدرء ، بالفتح : العوج في القناة والعصا ونحوها مما تصلب وتصعب إقامته ، والجمع : دروء . قال الشاعر :


                                                          إن قناتي من صليبات القنا     على العداة أن يقيموا درأنا

                                                          وفي الصحاح : الدرء ، بالفتح : العوج ، فأطلق . يقال : أقمت درء فلان أي اعوجاجه وشعبه ; قال المتلمس :


                                                          وكنا إذا الجبار صعر خده     أقمنا له من درئه فتقوما

                                                          ومن الناس من يظن هذا البيت للفرزدق وليس له ، وبيت الفرزدق هو :


                                                          وكنا إذا الجبار صعر خده     ضربناه تحت الأنثيين على الكرد

                                                          وكنى بالأنثيين عن الأذنين .

                                                          ومنه قولهم : بئر ذات درء ، وهو الحيد .

                                                          ودروء الطريق : كسوره وأخافيقه ، وطريق ذو دروء ، على فعول : أي ذو كسور وحدب وجرفة .

                                                          والدرء : نادر . يندر من الجبل ، وجمعه دروء .

                                                          ودرأ الشيء بالشيء : جعله له ردءا .

                                                          وأردأه : أعانه .

                                                          ويقال : درأت له وسادة إذا بسطتها .

                                                          ودرأت وضين البعير إذا بسطته على الأرض ثم أبركته عليه لتشده به ، وقد درأت فلانا الوضين على البعير وداريته ، ومنه قول المثقب العبدي :


                                                          تقول إذا درأت لها وضيني     أهذا دينه أبدا وديني ؟

                                                          قال شمر : درأت عن البعير الحقب : دفعته أي أخرته عنه ; قال أبو [ ص: 236 ] منصور : والصواب فيه ما ذكرناه من بسطته على الأرض وأنختها عليه .

                                                          وتدرأ القوم : تعاونوا .

                                                          ودرأ الحائط ببناء : ألزقه به .

                                                          ودرأه بحجر : رماه ، كردأه ; وقول الهذلي : [ أسامة بن الحارث بن حبيب ]


                                                          وبالبزل قد دمها نيها     وذات المدارأة العائط

                                                          المدمومة : المطلية ، كأنها طليت بشحم .

                                                          وذات المدارأة : هي الشديدة النفس ، فهي تدرأ .

                                                          ويروى :

                                                          وذات المداراة والعائط

                                                          قال : وهذا يدل على أن الهمز وترك الهمز جائز .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية