الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الأولى منهما ; لما روى ابن عباس قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ، ولا سفر } قال مالك : أرى ذلك في وقت المطر .

                                      وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية ؟ فيه قولان .

                                      قال في الإملاء : يجوز ; لأنه عذر يجوز الجمع به في وقت الأولى فجاز الجمع في وقت الثانية كالجمع في السفر ، وقال في الأم : لا يجوز ; لأنه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر ) .

                                      ( فصل ) : فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع ; لأن سبب الرخصة حدث بعد الدخول فلم يتعلق به ، كما لو دخل في صلاة ثم سافر ، فإن أحرم بالأولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع ; لأن العذر موجود في حال الجمع ، وإن عدم فيما سواها من الأحوال لم يضر ; لأنه ليس بحال الدخول ، ولا بحال الجمع ( فصل ) ، ولا يجوز الجمع إلا في مطر يبل الثياب ، وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لأجله ; لأنه لا يتأذى به ، وأما الثلج فإن كان يبل الثياب فهو كالمطر ، وإن لم يبل الثياب لم يجز الجمع لأجله ، فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لأجلها فإنها قد كانت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه جمع لأجلها ، وإن كان يصلي في بيته أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان ، قال في [ القديم : لا يجوز ; لأنه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها ، وقال في ] الإملاء : يجوز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في المسجد ، وبيوت أزواجه إلى المسجد وبجنب المسجد

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 259 ] الشرح ) حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم وزاد فيه : قيل لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته وقوله : قال مالك : أرى ذلك - هو بضم الهمزة - أي أظنه .

                                      ، وهو مالك بن أنس الإمام .

                                      وقال الشافعي أيضا مثله ، ولكن هذا التأويل مردود برواية في صحيح مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس { جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ، ولا مطر } وهذه الرواية من رواية حبيب بن أبي ثابت ، وهو إمام متفق على توثيقه وعدالته والاحتجاج به .

                                      قال البيهقي : هذه الرواية لم يذكرها البخاري مع أن حبيب بن أبي ثابت من شرطه .

                                      قال : ولعله تركها لمخالفتها رواية الجماعة .

                                      قال البيهقي : ورواية الجماعة بأن تكون محفوظة أولى ، يعني رواية الجمهور : من غير خوف ، ولا سفر .

                                      قال : وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع في المطر ، وذلك تأويل من تأوله بالمطر .

                                      قال البيهقي في معرفة السنن والآثار : وقول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته ، قد يحمل على المطر ، أي لا يلحقهم مشقة بالمشي في الطين إلى المسجد .

                                      وأجاب الشيخ أبو حامد في تعليقه عن رواية من غير خوف ، ولا مطر بجوابين : ( أحدهما ) معناه ، ولا مطر كثير ( والثاني ) : أنه يجمع بين الروايتين فيكون المراد برواية : من غير خوف ، ولا سفر : الجمع بالمطر ، والمراد برواية : ولا مطر الجمع المجازي ، وهو أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ، ويقدم الثانية إلى أول وقتها .

                                      هذا كلام أبي حامد ، ويؤيد هذا التأويل الثاني أن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن أبي الشعثاء عن ابن عباس .

                                      وثبت في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال : قلت : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء قال : وأنا أظن ذلك .

                                      وأجاب القاضي أبو الطيب في تعليقه والشيخ أبو نصر في تهذيبه وغيرهما بأن قوله ، ولا مطر ، أي ، ولا مطر مستدام ، فلعله انقطع في أثناء الثانية .

                                      ونقل صاحب الشامل هذا الجواب عن أصحابنا ، وأجاب الماوردي بأنه كان مستظلا بسقف ونحوه ، وهذه التأويلات كلها ليست ظاهرة ، والمختار ما أجاب به البيهقي .

                                      وقول المصنف : وإن كان يصلي في بيته أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان .

                                      قال في القديم : لا تجوز ، وفي الإملاء يجوز ، هكذا [ ص: 260 ] وقع في نسخ المهذب في القديم : لا يجوز ، وفي الإملاء : يجوز ، وقال مثل قوله المحاملي في المجموع .

                                      وأما جمهور الأصحاب فقالوا : قال في الأم : لا يجوز ، وقال في الإملاء : يجوز فلم يذكروا القديم فحصل من نقل المصنف والمحاملي مع نقل الجمهور أن الجواز مختص بالإملاء ، والمنع منصوص في الأم والقديم ، ومعلوم أن الإملاء من الكتب الجديدة ، وقد يتوهم من لا يرى كلام الأصحاب من عبارة المصنف أن جواز الجمع أصح من منعه ، حيث ذكر الجواز عن إملاء ، وهو جديد ، والمنع عن القديم ، ومعلوم أن الأصح هو الجديد إلا في مسائل قليلة سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح ، ليست هذه منها ، وليس هذا التوهم صحيحا بل الأصح منع الجمع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .

                                      وقوله ( الوحل ) هو بفتح الحاء على اللغة المشهورة ، ولم يذكر الجمهور غيرها ، وحكى الجوهري وغيره إسكانها أيضا .

                                      وقوله ( لأجلها ) قد سبق أن المعروف في اللغة من أجلها وأنه بفتح الهمزة وكسرها .

                                      ( أما حكم المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب : يجوز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في المطر ، وحكى إمام الحرمين قولا : أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب ، ولا يجوز بين الظهر والعصر ، وهو مذهب مالك .

                                      وقال المزني : لا يجوز مطلقا ، والمذهب الأول ، وهو المعروف من نصوص الشافعي قديما وجديدا ، وبه قطع الأصحاب .

                                      قال أصحابنا : وسواء قوي المطر وضعيفه إذا بل الثوب .

                                      قال أصحابنا : والثلج والبرد إن كانا يذوبان ويبلان الثوب جاز الجمع ، وإلا فلا . هكذا قطع به الجمهور في الطريقتين ، وهو الصواب .

                                      وحكى صاحب التتمة وجها : أنه يجوز الجمع بالثلج ، وإن لم يذب ، ولم يبل الثياب ، وهو شاذ غلط ، وحكى إمام الحرمين والغزالي وجها : أنه لا يجوز الجمع بالثلج والبرد مطلقا ، وهو وجه ضعيف خرجه القاضي حسين في تعليقه إتباعا لاسم المطر ، وهذا شاذ ضعيف أو باطل ، فإن اسم المطر ليس منصوصا عليه حتى يتعلق به فوجب اعتبار المعنى ، وأما الشفان ، بفتح الشين المعجمة وتشديد الفاء فقال أهل اللغة : هو برد ريح فيها [ ص: 261 ] ندوة ، فإذا بل الثوب جاز الجمع ، هذا هو الصواب في تفسيره وحكمه ، وقد قال البغوي والرافعي : إنه مطر وزيادة ، فيجوز الجمع ، والصواب ما قدمته

                                      وأما الوحل والظلمة والريح والمرض والخوف فالمشهور من المذهب أنه لا يجوز الجمع بسببها ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وقال جماعة من أصحابنا بجوازه ، وسنفرد في ذلك فرعا مبسوطا بأدلته إن شاء الله تعالى .

                                      قال أصحابنا : والجمع بعذر المطر ، وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي في مسجد ، يقصده من بعد ، ويتأذى بالمطر في طريقه ، فأما من يصلي في بيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المسجد في ركن أو كان المسجد في باب داره ، أو صلى النساء في بيوتهن أو الرجال في المسجد البعيد أفرادا فهل يجوز الجمع ؟ فيه خلاف حكاه جماعة من الخراسانيين وجهين ، وحكاه المصنف وسائر العراقيين وجماعات من الخراسانيين قولين : ( أصحهما ) باتفاقهم : لا يجوز ، وهو نصه في الأم والقديم كما سبق ، ممن صححه إمام الحرمين والبغوي والرافعي وقطع به المحاملي في المقنع والجرجاني في التحرير ; لأن الجمع جوز للمشقة في تحصيل الجماعة ، وهذا المعنى مفقود هنا ، والثاني ، وهو نصه في الإملاء : يجوز ، واحتج له المصنف وغيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يجمع في بيوت أزواجه إلى المسجد } أجاب الأولون عن هذا بأن بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم تسعة ، وكانت مختلفة منها بيت عائشة بابه إلى المسجد ، ومعظمها بخلاف ذلك ، فلعله صلى الله عليه وسلم في حال جمعه لم يكن في بيت عائشة وهذا ظاهر ، فإن احتمال كونه صلى الله عليه وسلم في الباقي أظهر من كونه في بيت عائشة ، وأما وقت الجمع فقال الأصحاب : يجوز الجمع في وقت الأولى قولا واحدا ، وفي جوازه في وقت الثانية قولان : ( أصحهما ) عند الأصحاب : لا يجوز ، وهو نص الشافعي في معظم كتبه الجديدة ، ونص في الإملاء والقديم : أنه يجوز وحكى جماعة من الخراسانيين الخلاف وجهين ، وعكس صاحب الإبانة حكم المسألة فقال : يجوز الجمع في وقت الثانية قولا واحدا ، وفي جوازه في وقت الأولى القولان ; واتفق الأصحاب على تغليطه

                                      قال أصحابنا : فإذا جمع في وقت الأولى اشترطت الشروط الثلاثة السابقة [ ص: 262 ] في جمع المسافر ، ويشترط وجوب المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب إلا وجها شاذا أو باطلا سنذكره إن شاء الله - تعالى أنه لا يشترط في افتتاح الأولى ، وفي اشتراطه عند التحلل من الأولى طريقان : ( أصحهما ) وبه قطع العراقيون وأبو زيد والبغوي وآخرون : يشترط وجها واحدا .

                                      ( الثاني ) : حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان : ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : لا يشترط .

                                      ونقله إمام الحرمين عن معظم الأصحاب ، وليس كما ادعى ، وأما انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث فلا يضر على الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب في طرقهم ، ونقل إمام الحرمين عن بعض المصنفين ، ويعني به صاحب الإبانة : أنه قال : في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف السابق في طرآن الإقامة في جمع السفر ، وضعفه الإمام وأنكره وقال : إذا لم يشترط دوام المطر في الأولى فأولى أن لا يشترط في الثانية وما بعدها ، وذكر أبو القاسم بن كج عن بعض الأصحاب أنه لو افتتح الأولى ، ولا مطر ثم مطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى ، واختار ابن الصباغ هذه الطريقة وجزم بها صاحب التتمة ، وهذا شاذ مردود ، والمذهب ما قدمناه .

                                      أما إذا أراد الجمع في وقت الثانية وجوزناه فقال أصحابنا العراقيون : يصلي الأولى مع الثانية ، سواء اتصل المطر إلى وقت الثانية أم انقطع قبل وقتها هكذا صرح به المحاملي وآخرون من العراقيين ، ونقله صاحب البيان عن أصحابنا كلهم وقال البغوي : إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع بل يصلي الأولى في آخر وقتها ، كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل وقت الثانية .

                                      قال الرافعي : ومقتضى هذا أن يقال : لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع ، وصارت الأولى قضاء ، كما لو صار مقيما ، والمذهب ما قدمناه عن العراقيين ، واحتجوا له بأنه جوز له التأخير فلا يتغير حاله



                                      ( فرع ) يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر ذكره ابن كج وصاحب البيان وآخرون ، فإن قدم العصر إلى الجمعة اشترط وجود المطر في افتتاح الصلاتين ، وفي السلام في الجمعة كما في غيرها .

                                      [ ص: 263 ] قال صاحب البيان : ، ولا يشترط وجوده في الخطبتين ; لأنهما ليسا بصلاة ، بل شرط من شروط الجمعة فلم يشترط المطر فيهما ، كما لا يشترط في الطهارة ، قال الرافعي : ، وقد ينازع في هذا ذهابا إلى أن الخطبتين بدل الركعتين قال صاحب البيان وآخرون : فإن أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إن جوزنا تأخير الظهر إلى العصر فيخطب في وقت العصر ثم يصلي الجمعة ثم العصر ، ولا يشترط وجود المطر وقت العصر كما سبق ; واستدلوا بأن كل وقت جاز فيه فعل الظهر أداء جاز فعل الجمعة وخطبتيها .



                                      ( فرع ) المشهور في المذهب والمعروف من نصوص الشافعي وطرق الأصحاب : أنه لا يجوز الجمع بالمرض والريح والظلمة ، ولا الخوف ، ولا الوحل .

                                      وقال المتولي : قال القاضي حسين : يجوز الجمع بعذر الخوف والمرض كجمع المسافر يجوز تقديما وتأخيرا ، والأولى أن يفعل أرفقهما به واستدل له المتولي وقواه ، وقال الرافعي : قال مالك وأحمد فيجوز الجمع بعذر المرض والوحل وبه قال بعض أصحابنا منهم أبو سليمان الخطابي ، والقاضي حسين ، واستحسنه الروياني في الحلية ، قلت : وهذا الوجه قوي جدا ، ويستدل له بحديث ابن عباس قال { جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ، ولا مطر } رواه مسلم كما سبق بيانه ، ووجه الدلالة منه : أن هذا الجمع إما أن يكون بالمرض ، وإما بغيره مما في معناه أو دونه ، ولأن حاجة المريض والخائف آكد من الممطور ، وقال ابن المنذر من أصحابنا : يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ، ولا مطر ، ولا مرض ، وحكاه الخطابي في معالم السنن عن القفال الكبير الشاشي عن أبي إسحاق المروزي ، قال الخطابي : وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث ابن عباس .

                                      واستدل الأصحاب للمشهور في المذهب بأشياء ( منها ) : حديث المواقيت ، ولا يجوز مخالفته إلا بصريح ( ومنها ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض أمراضا كثيرة ، ولم ينقل جمعه بالمرض صريحا ( ومنها ) : أن من كان ضعيفا ومنزله بعيدا عن المسجد بعدا كثيرا لا يجوز له الجمع مع المشقة الظاهرة ، وكذا المريض .

                                      ( فإن قيل ) لم ألحقتم الوحل بالمطر في أعذار الجمعة والجماعة دون [ ص: 264 ] الجمع ؟ فالجواب من وجهين : ( أحدهما ) : جواب القاضي أبي الطيب ، وهو أن تارك الجمعة يصلي بدلها الظهر ، وتارك الجماعة يصلي منفردا فيأتي ببدل ، والذي يجمع يترك الوقت بلا بدل .

                                      ( والثاني ) : أن باب الأعذار في ترك الجمعة والجماعة ليس مخصوصا ، بل كل ما لحق به مشقة شديدة فهو عذر ، والوحل من هذا ، وباب الجمع مضبوط بما جاءت به السنة فلا يجوز بكل شاق ; ولهذا لم يجوزوه لمن هو قيم بمريض وشبهه .

                                      ، ولم تأت السنة بالوحل .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الجمع بالمطر قد ذكرنا أن مذهبنا جوازه بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء .

                                      وبه قال أبو ثور وجماعة وقال أبو حنيفة والمزني وآخرون : لا يجوز مطلقا وجوزه مالك وأحمد بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ، وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز ومروان .



                                      ( فرع ) في مذاهبهم في الجمع في الحضر بلا خوف ، ولا سفر ، ولا مطر ، ولا مرض : مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والجمهور : أنه لا يجوز .

                                      وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب .

                                      قال وجوزه ابن سيرين لحاجة أو ما لم يتخذه عادة



                                      باب آداب السفر هذا باب مهم تتكرر الحاجة إليه ويتأكد الاهتمام به ، وقد ذكره الماوردي والقاضي أبو الطيب والبيهقي وغيرهم في أواخر كتاب الحج ، ورأيت تقديمه هنا لوجهين : ( أحدهما ) : استباق الخيرات ( والثاني ) : أنه هنا أنسب ، وقد بسطه البيهقي بسطا حسنا في كتابه السنن الكبير ، وقد جمعت أنا جملا كبيرة منه في أول كتاب الإيضاح في المناسك ، وجملة صالحة في كتاب الأذكار مما يتعلق بأذكاره ، والمقصود هنا الإشارة إلى آدابه مختصرة ، وفي الباب مسائل : ( إحداها ) : إذا أراد سفرا استحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه [ ص: 265 ] في سفره في ذلك الوقت ويجب على المستشار النصيحة والتخلي من الهوى وحظوظ النفوس ، قال الله تعالى : { وشاورهم في الأمر } وتظاهرت الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يشاورونه في أمورهم .



                                      ( الثانية ) : إذا عزم على السفر فالسنة أن يستخير الله تعالى فيصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو بدعاء الاستخارة ، ، وقد سبق بيانه وبيان هذه الصلاة وما يتعلق بها في باب صلاة التطوع



                                      ( الثالثة ) : إذا استقر عزمه لسفر حج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج عن مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم ، ويرد الودائع ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة ويكتب وصيته ويشهد عليه بها ويوكل من يقضي ما لم يتمكن من قضائه من ديونه ويترك لأهله ومن يلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه



                                      ( الرابعة ) : في إرضاء والديه ومن يتوجه عليه بره وطاعته فإن منعه الوالد السفر أو منع الزوج امرأته ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله - تعالى - حيث ذكره المصنف في باب الفوات والإحصار



                                      ( الخامسة ) : إذا سافر لحج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يحرص أن تكون نفقته حلالا خالصة من الشبهة ، فإن خالف وحج أو غزا بمال مغصوب عصى وصح حجه وغزوه في الظاهر ، لكنه ليس حجا مبرورا ، وسأبسط المسألة في كتاب الحج ومذاهب العلماء فيها إن شاء الله تعالى



                                      ( السادسة ) : يستحب للمسافر في حج أو غيره مما يحمل فيه الزاد أن يستكثر من الزاد والنفقة ليواسي منه المحتاجين ، وليكن زاده طيبا لقوله تعالى - : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } والمراد بالطيب هنا : الجيد ، والخبيث : الرديء ، ويكون طيب النفس بما ينفقه ليكون أقرب إلى قبوله



                                      [ ص: 266 ] السابعة ) : يستحب ترك المماحكة فيما يشتريه لأسباب سفر حجه وغزوه ونحوهما من أسفار الطاعة ، وكذا كل قربة



                                      ( الثامنة ) : يستحب أن لا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة ; لأن ترك المشاركة أسلم منه ; لأنه يمتنع بسببها من التصرف في وجوه الخير من الصدقة وغيرها ، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره ، فإن شارك جاز ، واستحب أن يقتصر على دون حقه ، وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يوما يوما فحسن ، ولا بأس بأكل بعضهم أكثر من بعض إذا وثق بأن أصحابه لا يكرهون ذلك ، فإن لم يثق لم يزد على قدر حصته ، وليس هذا من باب الربا في شيء ، وقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عنهم أزوادهم ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب الخلطة في المواشي ، وسنزيدها إيضاحا هناك إن شاء الله تعالى .

                                      وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : { يا رسول الله ، إنا نأكل ، ولا نشبع ، قال : فلعلكم تفترقون ، قال : فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه }



                                      ( التاسعة ) : إذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما ; إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ، ويستحب لمريد الحج أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها ويديم مطالعته ، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده ، ومن أخل بهذا من العوام يخاف أن لا يصح حجه لإخلاله بشرط من شروط أركانه ونحو ذلك ، وربما قلد بعضهم بعض عوام مكة وتوهم أنهم يعرفون المناسك محققة فاغتر بهم ، وذلك خطأ فاحش ، وكذا الغازي وغيره يستحب أن يستصحب معه كتابا معتمدا مشتملا على ما يحتاج إليه ، ويعلم الغازي ما يحتاج من أمور القتال وأذكاره ، وتحريم الهزيمة [ ص: 267 ] وتحريم الغلول والغدر وقتل النساء والصبيان ومن أظهر لفظ الإسلام وأشباه ذلك ، ويتعلم المسافر لتجارة ما يحتاج إليه من البيوع وما يصح وما يبطل وما يحل ويحرم ، ويستحب ويكره وما هو راجح على غيره ، وإن كان متعبدا سائحا معتزلا للناس تعلم ما يحتاج إليه من أمور دينه ، وإن كان ممن يصيد تعلم ما يحتاج إليه أهل الصيد وما يباح منه وما يحرم ، وما يباح به الصيد ، وشرط الذكاة وما يكفي فيه قتل الكلب والسهم ونحوهما ، وإن كان راعيا تعلم ما يحتاج إليه ، وهو ما ذكرناه في حق المعتزل مع كيفية الرفق بالدواب وذبحها ، وإن كان رسولا إلى سلطان ونحوه تعلم آداب مخاطبات الكبار ، وجواب ما يعرض وما يحل من ضيافاتهم وهداياهم وما يجب مراعاته من النصح وتحريم الغدر ومقامه ونحو ذلك وإن كان وكيلا أو عامل قراض تعلم ما يباح له من السفر والتصرف ، وما يحتاج إلى الإشهاد فيه ، وعلى كل المذكورين تعلم الحال التي يجوز فيها ركوب البحر والتي لا يجوز إن أرادوا ركوبه ، وسيأتي بيانه في كتاب الحج إن شاء الله - تعالى ، وهذا كله يأتي في هذا الكتاب مفرقا في مواضعه والله أعلم .



                                      ( العاشرة ) : يكره ركوب الجلالة ، وهي البعير الذي يأكل العذرة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها } رواه أبو داود بإسناد صحيح



                                      ( الحادية عشرة ) : يستحب له أن يطلب رفيقا موافقا راغبا في الخير كارها للشر إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإن تيسر له مع هذا كونه عالما فليتمسك به فإنه يمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها ، واستحب بعض العلماء كونه من الأجانب لا من الأصدقاء ، ولا الأقارب ، والمختار أن القريب والصديق الموثوق به أولى ; لأنه أعون له على مهماته وأرفق به في أموره ، ثم ينبغي أن يحرص على إرضاء رفيقه في جميع طريقه ، ويحتمل كل واحد منهما صاحبه ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة ، ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات



                                      ( الثانية عشرة ) : يستحب لمن سافر سفر حج أو غزو أن تكون يده فارغة [ ص: 268 ] من مال التجارة ذاهبا وراجعا ; لأن ذلك يشغل القلب ويفوت بعض المطلوبات ، ويجب عليه تصحيح النية في حجه وغزوه ونحوهما ، وهو أن يريد به وجه الله - تعالى - قال الله - تعالى - : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات }



                                      ( الثالثة عشرة ) : يستحب أن يكون سفره يوم الخميس ، فإن فاته فيوم الاثنين وأن يكون باكرا ، ودليل الخميس حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم { خرج في غزوة تبوك يوم الخميس } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية في الصحيحين { كان يحب أن يخرج يوم الخميس } وفي رواية في الصحيحين { قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلا يوم الخميس } ودليل يوم الاثنين عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة يوم الاثنين } ودليل البكور حديث صخر العامري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اللهم بارك لأمتي في بكورها ، وكان إذا بعث جيشا أو سرية بعثهم في أول النهار ، وكان صخر تاجرا فكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن



                                      ( الرابعة عشرة ) : يستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية { قل هو الله أحد } ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما خلف عبد أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا } وعن أنس قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين } رواه الحاكم وقال : هو صحيح على شرط البخاري ، ويستحب أن يقرأ بعد سلامه ( آية الكرسي ) و ( لإيلاف قريش ) فقد جاء فيهما آثار السلف مع ما علم من بركة القرآن في كل شيء وكل وقت ، ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص بما شاء من أمور آخرته ودنياه ، وللمسلمين كذلك ، ويسأل الله - تعالى - الإعانة والتوفيق في سفره وغيره من أموره ، فإذا نهض من جلوسه قال ما رويناه من حديث أنس [ ص: 269 ] رضي الله عنه : { اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت ، اللهم اكفني ما همني ، وما لا أهتم له اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي } .



                                      ( الخامسة عشرة ) : يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه وأن يودعوه ويقول كل واحد لصاحبه : أستودعك الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، زودك الله - التقوى وغفر لك ذنبك ويسر الخير لك حيثما كنت .

                                      ومما جاء في هذا من الأحاديث حديث سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم " كان يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول { : أستودعك الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي رضي الله عنه قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودع الجيش قال : أستودعكم الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم } حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح .

                                      وعن أنس رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني ، فقال : زودك الله - التقوى ، فقال : زدني فقال : وغفر ذنبك ، قال : زدني قال : ويسر لك الخير حيثما كنت } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله إذا استودع شيئا حفظه }



                                      ( السادسة عشرة ) : يستحب أن يدعو له من يودعه ، وأن يطلب منه الدعاء كما ذكرنا في المسألة قبلها ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : { استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال : لا تنسنا يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا } وفي رواية قال : { أشركنا يا أخي في دعائك } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح



                                      ( السابعة عشرة ) : يستحب أن يتصدق بشيء عند خروجه وكذا أمام الحاجات مطلقا كما سنوضحه إن شاء الله - تعالى - في باب صدقة التطوع ، والسنة أن يدعو بما صح عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 270 ] كان يقول إذا خرج من بيته { : باسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي } رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة قال الترمذي هو حديث حسن صحيح ، وهذا لفظ أبي داود .

                                      ويدعو بما في حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قال - يعني إذا خرج من بيته - بسم الله توكلت على الله ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله ، يقال له : كفيت ووقيت وينحى عنه الشيطان } رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي : حديث حسن زاد أبو داود فيه : { فيقول الشيطان لشيطان آخر : كيف بك برجل قد هدي وكفي ووقي }



                                      ( الثامنة عشرة ) السنة : إذا خرج من بيته وأراد ركوب دابته أن يقول : بسم الله ، فإذا استوى عليها قال : الحمد لله ، ثم يأتي بالتسبيح والذكر والدعاء الذي ثبت في الأحاديث ( منها ) حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا باسم الله ثم قال { : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون } ، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل وإذا رجع قالهن ، وزاد فيهن : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون } رواه مسلم .

                                      معنى مقرنين مطيقين ، والوعثاء - بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة والمد هي الشدة والكآبة - بالمد - هي تغير النفس من خوف ونحوه والمنقلب المرجع .

                                      وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكون ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال } رواه مسلم ، هكذا هو في صحيح مسلم بعد السكون بالنون ، وكذا رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي : ويروى الكور بالراء كلاهما صحيح المعنى ، قال العلماء : معناه بالراء والنون جميعا : الرجوع من الاستقامة : أو الزيادة إلى النقص ، وقد أوضحته في كتاب الأذكار ، وفي الرياض .

                                      [ ص: 271 ] وعن علي بن ربيعة قال : { شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى بدابته ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، ثم قال : الحمد لله ثلاث مرات ثم قال : الله أكبر ثلاث مرات ثم قال : سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك ، فقيل : يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت ؟ قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك ، فقلت : يا رسول الله ، من أي شيء ضحكت ؟ قال : إن ربك - سبحانه - يعجب من عبده إذا قال : اغفر لي ذنوبي ، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، وفي بعض النسخ : حسن صحيح ، وهذا لفظ أبي داود



                                      ( التاسعة عشرة ) : يستحب أن يرافق في سفره جماعة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار ركب بليل وحده } رواه البخاري .

                                      وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراكب شيطان والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب } رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة قال الترمذي : حديث حسن .

                                      ( فرع ) ينبغي أن يسير مع الناس ، ولا ينفرد بطريق ، ولا يركب اثنتان الطريق فإنه يخاف عليه الإفار بسبب ذلك .

                                      ( فرع ) قد يقال : ذكرتم أنه يكره الانفراد في السفر ، وقد اشتهر عن خلائق من الصالحين الوحدة في السفر ( والجواب ) : أن الوحدة والانفراد إنما يكرهان لمن استأنس بالناس فيخاف عليه من الانفراد الضرر بسبب الشياطين وغيرهم ، أما الصالحون فإنهم أنسوا بالله تعالى ، واستوحشوا من [ ص: 272 ] الناس في كثير من أوقاتهم فلا ضرر عليهم في الوحدة ، بل مصلحتهم وراحتهم فيها



                                      ( العشرون ) : يستحب أن يؤمر الرفقة على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأيا ، ويطيعوه لحديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم } حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن .

                                      وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولن تغلب اثنا عشر ألفا عن قلة } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، والمراد بالصحابة هنا المتصاحبون



                                      ( الحادية والعشرون ) : يكره أن يستصحب كلبا ، ويكره أن يعلق في الدابة جرسا أو يقلدها وترا سواء البعير والبغل وغيرهما لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس } رواه مسلم ، وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الجرس مزامير الشيطان } رواه مسلم في صحيحه .

                                      وعن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا يقول : { لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قال : قلادة إلا قطعت قال مالك بن أنس : أرى ذلك من العين } رواه البخاري ومسلم ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : فإن وقع شيء من ذلك من جهة غيره ، ولم يستطع إزالته فليقل : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء ، فلا تحرمني ثمرة صحبة ملائكتك وبركتهم



                                      ( الثانية والعشرون ) : لا يجوز أن يحمل الدابة فوق طاقتها ولو استأجرها فحملها المؤجر ما لا تطيق لم يجز للمستأجر موافقته لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي قال : { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } رواه مسلم ، ولقوله { صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ، ولا ضرار } " ولحديث [ ص: 273 ] سهل بن عمرو رضي الله عنه قال : { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال : اتقوا الله في هذه البهائم العجمة واركبوها صالحة ، وكلوها صالحة } رواه أبو داود بإسناد صحيح



                                      ( الثالثة والعشرون ) : يستحب أن يريح دابته بالنزول عنها غدوة وعشية ، وعند عقبة ونحوها ، ويتجنب النوم على ظهرها ; لما ذكرناه في المسألة قبلها ، وعن أنس قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر في السفر مشى قليلا ، وناقته تقاد } رواه البيهقي .

                                      وأما المكث على ظهر الدابة ، وهي واقفة ، فإن كان يسيرا فلا بأس ، وإن كان كثيرا لحاجة فلا بأس به ، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه ، ودليل ما ذكرناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر ، فإن الله عز وجل إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم } رواه أبو داود بإسناد جيد .

                                      وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اركبوا هذه الدواب سالمة ، وابتدعوها سالمة ، ولا تتخذوها كراسي } رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي ، قال الحاكم : هو صحيح ، وأما جوازه للحاجة ففيه الأحاديث الصحيحة المشهورة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وقف بعرفات على ناقته وأنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر بمنى على ناقته } وغير ذلك من الأحاديث



                                      ( الرابعة والعشرون ) : يجوز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة ، ولا يجوز إذا لم تكن مطيقة ، فأما دليل المنع إذا لم تطق فالأحاديث السابقة قريبا مع الإجماع ، وأما جوازه إذا كانت مطيقة ففيه أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ( منها ) : حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { أردفه حين دفع من عرفات إلى المزدلفة ، ثم أردف الفضل بن عباس من مزدلفة إلى منى } رواه البخاري ومسلم .

                                      وفي الصحيحين عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم { أردف معاذا على الرحل } وفي الصحيح : أنه صلى الله عليه وسلم { أردف معاذا على حمار يقال له : عفير } - بضم العين المهملة - وفي الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 274 ] { أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم فأردفها وراءه على راحلته } وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم { أردف صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وراءه حين تزوجها بخيبر } .

                                      وفي صحيح البخاري من رواية أسامة { أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه أكاف وأردف أسامة وراءه }

                                      وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جاء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة } وفي المسألة أحاديث كثيرة ; وإذا أردف كان صاحب الدابة أحق بصدرها ، ويكون الرديف وراءه إلا أن يرضى صاحبها بتقديمه لجلالته أو غير ذلك ، وفيه حديث مرفوع { الرجل أحق بصدر دابته } رواه البيهقي عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا ، وعن ابن بريدة مرفوعا مرسلا



                                      ( الخامسة والعشرون ) : يجوز الاعتقاب على الدابة ، وهو : أن يركب واحد وقتا ، ثم ينزل ويركب الآخر وقتا ، وجاءت فيه أحاديث كثيرة ، منها : حديث عائشة رضي الله عنها في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة قالت : { فلما خرج خرج معه عامر بن فهيرة يعتقبان حتى المدينة } : رواه البخاري وعن ابن مسعود قال : { كنا يوم بدر اثنين على بعير وثلاثة على بعير ، وكان علي وأبو أمامة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا حانت عقبتهما قالا : يا رسول الله ، اركب نمش عنك فيقول : إنكما لستما بأقوى على المشي مني ، ولا أرغب عن الأجر منكما } رواه النسائي والبيهقي بإسناد جيد



                                      ( السادسة والعشرون ) : السنة أن يراعي مصلحة الدابة في المراعي والسرعة والتأني بحسب الأرفق بها ; لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها ، وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق للدواب ومأوى الهوام بالليل } رواه مسلم [ ص: 275 ] معنى أعطوا الإبل حظها : ارفقوا في سيرها لترعى حال مشيها .

                                      والنقي بنون مكسورة ثم قاف ساكنة - ، وهو المخ ، ومعناه : أسرعوا بها حتى تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها من ضنك السير ، والتعريس النزول في الليل ، وقيل في آخر الليل خاصة .

                                      وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { في كل ذات كبد رطبة أجر } .

                                      رواه البخاري ومسلم



                                      ( السابعة والعشرون ) : يستحب السرى في آخر الليل لحديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل } رواه أبو داود بإسناد حسن ، ورواه الحاكم وقال : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وقال في رواية { فإن الأرض تطوى بالليل للمسافر }



                                      ( الثامنة والعشرون ) قال البيهقي : يكره السير في أول الليل لحديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ، فإن الشيطان ينتشر إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء } رواه مسلم ، وسبق بيانه في آخر باب الآنية .

                                      وهذا الذي ذكره البيهقي من إطلاق الكراهة فيه نظر ، وليس في هذا الحديث الذي استدل به ما يقتضي إطلاق الكراهة في حق المسافرين فالاختيار أنه لا يكره



                                      ( التاسعة والعشرون ) يسن مساعدة الرفيق وإعانته لقوله صلى الله عليه وسلم { ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } ، وهو حديث صحيح مشهور في صحيح مسلم وغيره ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كل معروف صدقة } .

                                      وعن أبي سعيد قال : { بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد معه ، فذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل } رواه مسلم .

                                      وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه أراد أن يغزو فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار إن من إخوانكم قوما ليس لهم مال ، ولا [ ص: 276 ] عشيرة فليضم أحدكم إليه الرجلين والثلاثة ، فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة يعني كعقبة أحدكم فضممت إلي اثنين أو ثلاثة ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي } رواه أبو داود



                                      ( الثلاثون ) : يستحب لكبير الركب أن يسير في آخره ، وإلا فليتعهد آخره فيحمل المنقطع أو يعينه ، ولئلا يطمع فيهم ويتعرض اللصوص ونحوهم لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته } وعن جابر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيرجي الضعيف ويردف ويدعو له } رواه أبو داود بإسناد حسن ، وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يفعله



                                      ( الحادية والثلاثون ) : ينبغي له أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الغلام والحمال والرقيق والسائل وغيرهم ، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في الطرق ، ومواردة الماء إذا أمكنه ذلك ، وأن يصون لسانه من الشتم والغيبة ولعنة الدواب وجميع الألفاظ القبيحة ويرفق بالسائل والضعيف ، ولا ينهر أحدا منهم ، ولا يوبخه على خروجه بلا زاد وراحلة ، بل يواسيه بما تيسر ، فإن لم يفعل رده ردا جميلا .

                                      ودلائل هذه المسائل مشهورة في القرآن والأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين .

                                      قال الله - تعالى - : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وقال الله - تعالى - : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } والآيات بهذا المعنى كثيرة معلومة .

                                      وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يكون اللعانون شفعاء ، ولا شهداء يوم القيامة } رواه مسلم وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا } وعن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذيء } رواه الترمذي وقال : حديث حسن وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط الأرض فتغلق [ ص: 277 ] أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينا وشمالا ، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها } رواه أبو داود وعن عمران بن حصين قال : { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها ; فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد } رواه مسلم .

                                      وعن أبي برزة رضي الله عنه قال { بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم ; إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل ، فقالت : حل اللهم العنها ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة } رواه مسلم .

                                      وهذا النهي يتناول المصاحبة دون باقي التصرفات فيها من السفر بها في وجه آخر والبيع وغير ذلك ، وقد بسطت شرحه في كتاب الرياض



                                      ( الثانية والثلاثون ) : يستحب للمسافر أن يكبر إذا صعد الثنايا وشبهها ويسبح إذا هبط الأودية ونحوها ، ويكره رفع الصوت بذلك لحديث جابر قال : " { كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا } رواه البخاري .

                                      وعن ابن عمر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا } رواه أبو داود بإسناد صحيح

                                      وعنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ; ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ; له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده } رواه البخاري ومسلم .

                                      الفدفد - بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة - الغليظ المرتفع من الأرض .

                                      وعن أبي هريرة : { أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أسافر فأوصني ; قال : عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ; فلما ولى الرجل [ ص: 278 ] قال : اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ، ولا غائبا ، إنه معكم إنه سميع قريب } رواه البخاري ومسلم .

                                      اربعوا بفتح الباء الموحدة ، أي ارفقوا بأنفسكم



                                      ( الثالثة والثلاثون ) : يستحب إذا أشرف على قرية يريد دخولها أو منزل أن يقول : اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ; لحديث صهيب رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها } رواه النسائي والحاكم والبيهقي .

                                      قال الحاكم : هو صحيح الإسناد



                                      ( الرابعة والثلاثون ) : يستحب له أن يدعو في سفره في كثير من الأوقات ; لأن دعوته مجابة ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على الولد } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، وليس في رواية أبي داود على ولده



                                      ( الخامس والثلاثون ) : إذا خاف ناسا أو غيرهم فالسنة أن يقول ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال : { اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم } رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح .

                                      ويسن أيضا أن يدعو بدعاء الكرب ، وهو ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب { : لا إله إلا الله - العظيم الحليم ، لا إله إلا الله - رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله - رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم } رواه البخاري ومسلم وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر [ ص: 279 ] قال : { يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث } رواه الترمذي والحاكم وقال : إسناده صحيح .

                                      ( فرع ) إذا تغولت الغيلان على المسافر استحب أن يقول ما جاء عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا تغولت بكم الغيلان فنادوا بالأذان } الغيلان : طائفة من الجن والشياطين ، وهم سحرتهم ، ومعنى تغولت : تلونت في صور ، واختلف العلماء هل للغول وجود أم لا ؟ ، وقد أوضحته في تهذيب اللغات



                                      ( السادسة والثلاثون ) : إذا استعصت دابته قيل : يقرأ في أذنها { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } وإذا انفلتت دابته نادى يا عباد الله احبسوا ، مرتين أو ثلاثا ، فقد جاء فيها آثار أوضحتها في كتاب الأذكار ، وجربت أنا هذا الثاني في دابة انفلتت منا ، وكنا جماعة عجزوا عنها ، فذكرت أنا هذا فقلت : يا عباد الله احبسوا فوقفت بمجرد ذلك .

                                      وحكى لي شيخنا أبو محمد بن أبي اليسر - رحمه الله - : أنه جربه فقال في بغلة انفلتت فوقفت في الحال



                                      ( السابعة والثلاثون ) : يستحب الحداء والرجز في السير للسرعة ، وتنشيط الدواب والنفوس وترويحها وتيسير السير للأحاديث الصحيحة ( منها ) حديث أنس قال : { كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يقال له أنجشة ، وكان حسن الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير } ، قال قتادة : يعني ضعفة النساء رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن سلمة بن الأكوع قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هناتك ؟ وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :

                                      اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

                                      إلى آخر الأبيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق ؟ [ ص: 280 ] فقالوا : عامر بن الأكوع فقال : يرحمه الله -
                                      } وذكر تمام الحديث رواه البخاري ومسلم



                                      ( الثامنة والثلاثون ) : يستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة ، وإن كان الخادم أكبر سنا لحديث أنس قال ( خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني فقلت له : لا تفعل فقال : إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا آليت ألا أصحب أحدا منهم إلا خدمته ، قال : وكان جرير أكبر من أنس ) رواه البخاري ومسلم



                                      ( التاسعة والثلاثون ) : في بيان كيفية مشي من أعيا .

                                      احتج فيه البيهقي بحديث جابر قال : { شكا ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم المشي فدعا بنا فقال : عليكم بالنسلان فنسلناه فوجدناه أخف علينا } ورواه الحاكم أيضا ، وقال : هو صحيح على شرط مسلم



                                      ( الأربعون ) : يكره ضرب الدابة في الوجه لحديث جابر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسم في الوجه ، والضرب في الوجه } رواه مسلم .

                                      ويجوز الضرب في غير الوجه للحاجة على حسب الحاجة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وإجماع العلماء ، وستأتي المسألة مبسوطة في كتاب الإجارة حيث ذكرها المصنف إن شاء الله - تعالى



                                      ( الحادي والأربعون ) : ينبغي له المحافظة على الطهارة وعلى الصلاة في أوقاتها ، وقد يسر الله - تعالى بما جوزه من التيمم والجمع والقصر ، ، وقد سبق في باب استقبال القبلة أنه لو لم يمكنه النزول عن الدابة للصلاة المكتوبة في وقتها جاز له أن يصليها على الدابة ويلزمه إعادتها على الأرض إلى القبلة إذا أمكنه ذلك



                                      ( الثانية والأربعون ) : السنة أن يقول : إذا نزل منزلا ما روته خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضر بشيء حتى يرتحل من منزله ذلك } رواه مسلم



                                      [ ص: 281 ] الثالثة والأربعون ) : يكره النزول في قارعة الطريق لحديث أبي هريرة أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم قال : { وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل } رواه مسلم ، ، وهو بعض حديث سبق في السادسة والعشرين



                                      ( الرابعة والأربعون ) : السنة أن يقول إذا جن عليه الليل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سافر فأقبل الليل قال : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك ، وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر ما يدور عليك ، أعوذ بك من شر أسد وأسود ، والحية والعقرب ، ومن ساكن البلد ، ومن والد وما ولد } رواه أبو داود والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وهذا لفظ أبي داود والأسود الشخص ، قال الخطابي : وساكن البلد هم الجن الذين هم سكان الأرض .

                                      قال : والبلد : الأرض ما كان مأوى الحيوان سواء كان فيه بناء ومنازل أم لا ، ويحتمل أن المراد بالوالد : إبليس وما ولد الشياطين



                                      ( الخامسة والأربعون ) : يستحب للرفقة في السفر أن ينزلوا مجتمعين ويكره تفرقهم لغير حاجة لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : { كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض } رواه أبو داود بإسناد حسن



                                      ( السادسة والأربعون ) : السنة في كيفية نوم المسافر ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه } رواه مسلم ، وذكره الحاكم في المستدرك ، وقال : هو صحيح على شرط مسلم قال : ، ولم يروه البخاري ، ولا مسلم ، وغلط الحاكم في هذا ; لأن الحديث في مسلم كما ذكرنا قال العلماء : نصب الذراعين لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح أو أول وقتها



                                      ( السابعة والأربعون ) السنة للمسافر إذا قضى حاجته أن يعجل الرجوع [ ص: 282 ] إلى أهله لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله } رواه البخاري ومسلم ، نهمته بفتح النون مقصوده .

                                      وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره } رواه البيهقي



                                      ( الثامنة والأربعون ) : السنة أن يقول في رجوعه من السفر ما ثبت في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله - وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده } رواه البخاري ومسلم وعن أنس قال : { أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ، فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة } رواه مسلم



                                      ( التاسعة والأربعون ) : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قدم أحدكم من سفره فليهد إلى أهله وليطرفهم ، ولو كانت حجارة } رواه الدارقطني في سننه في آخر كتاب الحج ، وممن صرح باستحباب حمل المسافر هدية لأهله القاضي أبو الطيب في تعليقه في كتاب الحج ، واحتج بهذا الحديث



                                      ( الخمسون ) : يستحب إذا قرب من وطنه أن يبعث إلى أهله من يخبرهم لئلا يقدم بغتة ، فإذا كان في قافلة كبيرة ، واشتهر عند أهل البلد وصولهم ، ووقت دخولهم ، كفاه ذلك عن إرساله معينا



                                      ( الحادية والخمسون ) : يكره أن يطرق أهله طروقا لغير عذر ، وهو أن يقدم عليهم في الليل ، بل السنة أن يقدم أول النهار ، وإلا ففي آخره لحديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم { لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية } رواه البخاري ومسلم وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا } وفي رواية { أن [ ص: 283 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا حتى تمتشط الشعثة ، وتستحد المغيبة } رواه البخاري ومسلم بهذه الروايات الثلاث ، وتستحد : تزيل شعر العانة ، والمغيبة : بضم الميم وكسر الغين المعجمة التي غاب زوجها



                                      ( الثانية والخمسون ) يسن تلقي المسافرين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قدم من سفر فاستقبله أغيلمة بني عبد المطلب فجعل واحدا بين يديه وآخر خلفه } وفي رواية { قدم مكة عام الفتح } رواه البخاري .

                                      وعن عبد الله بن جعفر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه ، فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة } رواه مسلم



                                      ( الثالثة والخمسون ) : السنة أن يسرع السير إذا وقع بصره على جدران قريته لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع راحلته ، وإن كان على دابة حركها من حبها } رواه البخاري



                                      ( الرابعة والخمسون ) إذا وقع بصره على قرية استحب أن يقول : اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها ; وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها ، وشر أهلها ، وشر ما فيها .

                                      واستحب بعضهم أن يقول : اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا ، اللهم ارزقنا حماها وأعذنا من وباها ، وحببنا إلى أهلها ، وحبب صالحي أهلها إلينا .

                                      ، وقد ثبت دلائل هذا كله في الأذكار



                                      ( الخامسة والخمسون ) : السنة إذا وصل منزله أن يبدأ قبل دخوله [ ص: 284 ] بالمسجد القريب إلى منزله فيصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم ، لحديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن جابر في حديثه الطويل في قصة بيع جمله في السفر قال { وقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته يعني النبي صلى الله عليه وسلم على باب المسجد فقال : الآن قدمت ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فدع جملك وادخل فصل ركعتين فدخلت ثم رجعت } وفي رواية قال : { بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا في سفر فلما أتينا المدينة قال : ائت المسجد فصل ركعتين } رواه البخاري ومسلم فإن كان القادم مشهورا يقصده الناس استحب أن يقعد في المسجد أو في مكان بارز ليكون أسهل عليه وعلى قاصديه ، وإن كان غير مشهور ، ولا يقصد ذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين في المسجد



                                      ( السادسة والخمسون ) : إذا وصل بيته دخله من بابه لا من ظهره لحديث البراء رضي الله عنه قال { كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه ، وكأنه عير بذلك فنزلت هذه الآية : { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها } } رواه البخاري ومسلم



                                      ( السابعة والخمسون ) فإذا دخل بيته استحب أن يقول ما رويناه في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فدخل عليه أهله قال : توبا توبا ، لربنا أوبا ، لا يغادر حوبا } قوله ( توبا ) سؤال للتوبة ، أي أسألك توبا أو تب علي توبا وأوبا بمعناه من آب إذا رجع وقوله : " لا يغادر حوبا " أي لا يترك إثما



                                      ( الثامنة والخمسون ) : يستحب أن يقال للقادم من غزو ما رويناه عن عائشة قالت " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو ، فلما دخل استقبلته فقلت : الحمد لله الذي نصرك وأعزك وأكرمك } " ويقال للقادم من حج : { قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك } .

                                      ورويناه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 285 ] وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج } رواه الحاكم والبيهقي .

                                      قال الحاكم هو صحيح على شرط مسلم



                                      ( التاسعة والخمسون ) يستحب النقيعة ، وهي طعام يعمل لقدوم المسافر ، ويطلق على ما يعمله المسافر القادم ، وعلى ما يعمله غيره له ، وسنوضحها إن شاء الله - تعالى - في باب الوليمة ، حيث ذكرها المصنف .

                                      ومما يستدل به لها حديث جابر صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من سفره نحر جزورا أو بقرة } رواه البخاري ( الستون ) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وفد الله ثلاثة : الغازي والحاج والمعتمر } رواه الحاكم وقال : هو صحيح على شرط مسلم



                                      ( الحادية والستون ) : قال أصحابنا : يستحب صلاة النوافل في السفر ، سواء الرواتب مع الفرائض وغيرها .

                                      هذا مذهبنا ومذهب القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن ومالك وجماهير العلماء ، قال الترمذي : وبه قالت طائفة من الصحابة وأحمد وإسحاق وأكثر أهل العلم .

                                      قال : وقالت طائفة : لا يصلي الرواتب في السفر ، وهو مذهب ابن عمر ثبت عنه في الصحيحين ، فروى حفص بن عاصم { صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى فرأى ناسا قياما فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ قلنا : يسبحون فقال : لو كنت مسبحا أتممت صلاتي يا ابن أخي ، إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله - ، وصحبت أبا بكر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله - وصحبت عمر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله - ، وصحبت عثمان رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله - وقد قال الله - تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } رواه البخاري ومسلم ، وهذا اللفظ إحدى روايات مسلم وفي رواية لهما : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 286 ] فكان { لا يزيد على ركعتين في السفر } فهذا حجة ابن عمر ومن وافقه .

                                      وأما حجة أصحابنا والجمهور فأحاديث كثيرة ( منها ) الأحاديث الصحيحة الشائعة في باب استقبال القبلة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي النوافل على راحلته في السفر حيث توجهت به } وعن أبي قتادة حديثه السابق في باب صلاة التطوع أنهم { كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فساروا حتى ارتفعت الشمس ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم } رواه مسلم فهاتان الركعتان سنة الصبح وهما مراد البخاري بقوله في صحيحه : { ركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر في السفر } وعن أم هانئ { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة في بيتها ثماني ركعات ، وذلك ضحى } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية صحيحة سبحة الضحى ، وسبق بيانها في باب التطوع .

                                      واحتج بها البخاري والبيهقي وغيرهما في المسألة .

                                      وعن البراء بن عازب قال : { صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سفرة فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر } رواه أبو داود والترمذي وقال : رأى البخاري هذا الحديث حسنا .

                                      وعن الحجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عمر قال : { صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين } رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

                                      ثم رواه من رواية محمد بن أبي ليلى عن عطية ونافع وقال : هو أيضا حسن .

                                      قال : وقال البخاري : ما روى ابن أبي ليلى حديثا أعجب إلي من هذا الحديث .

                                      هذا كلام الترمذي ، وعطية والحجاج وابن أبي ليلى [ كلهم ] ضعيف ، وقد حكم بأنه حسن فلعله اعتضد عنده بشيء ، وأما رواية ابن عمر الأولى في نفي الزيادة فالإثبات مقدم عليها ، ولعله كان في بعض الأوقات ، والله أعلم .



                                      ( الثانية والستون ) : يحرم على المرأة أن تسافر وحدها من غير ضرورة [ ص: 287 ] إلى ما يسمى سفرا سواء بعد أم قرب ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها } رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم : { مسيرة يوم } وفي رواية " ليلة " وفي رواية لأبي داود والحاكم { مسيرة بريد } ، وقد سبق بيان هذا كله في أول باب صلاة المسافر .

                                      وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ; فقال رجل : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا قال : انطلق فحج مع امرأتك } رواه البخاري ومسلم .




                                      الخدمات العلمية