الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  [ ص: 235 ] درجات الرياء :

                                                                  اعلم أن أغلظ أنواع الرياء هو الرياء بأصل الإيمان ، وصاحبه مخلد في النار ، وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ، وهذا هو النفاق المذكور في القرآن الكريم في مواضع شتى ، وذلك مما يقل في زماننا .

                                                                  ويلحق به من يجحد الجنة والنار والدار الآخرة أو يعتقد طي بساط الشرع والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة ، أو

                                                                  يعتقد كفرا وهو يظهر خلافه ، فهؤلاء من المنافقين المرائين المخلدين في النار .

                                                                  وقسم من الرياء دون الأول بكثير كمن يحضر الجمعة أو الصلاة ، ولولا خوف المذمة لكان لا يحضرها ، أو يصل رحمه أو يبر والديه لا عن رغبة لكن خوفا من الناس ، أو يزكي أو يحج كذلك ، فيكون خوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ، وهذا غاية الجهل وما أجدر صاحبه بالمقت .

                                                                  وقسم يرائي بالنوافل يكسل عنها في الخلوة ثم يبعثه الرياء على فعلها كحضور الجماعة وعيادة المريض واتباع الجنازة وصوم عرفة وعاشوراء خوفا من المذمة ، وطلبا للمحمدة ، ويعلم الله تعالى أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض ، وهذا أيضا عظيم ولكن دون ما قبله .

                                                                  وقسم يرائي بفعل ما في تركه نقصان العبادة كالذي غرضه أن يخفف الركوع والسجود ، ولا يطول القراءة فإذا رآه الناس أحسن الركوع والسجود وترك الالتفات وتمم القعود بين السجدتين ، وكذلك الذي يعتاد إخراج الزكاة من الدنانير الرديئة أو من الحب الرديء ، فإذا اطلع عليه غيره أخرجها من الجيد خوفا من مذمته ، وكذلك الصائم يصون صومه عن الغيبة والرفث لأجل الخلق لا إكمالا لعبادة الصوم خوفا من المذمة ، فهذا أيضا من الرياء المحظور ; لأن فيه تقديما للمخلوقين على الخالق ، فإن قال المرائي : " إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة " ، فيقال له : " هذه مكيدة للشيطان عندك وتلبيس ، وليس الأمر كذلك ، فإن ضررك من نقصان صلاتك وهي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك بغيبة غيرك ، فلو كان باعثك الدين لكانت شفقتك على نفسك أكثر " .

                                                                  وقسم يرائي بفعل ما لا نقصان في تركه ولكن فعله في حكم التكملة والتتمة لعبادته ، كالتطويل في الركوع والسجود ومد القيام وتحسين الهيئة ورفع اليدين والمبادرة إلى التكبيرة الأولى وتحسين الاعتدال والزيادة في القراءة على الصورة المعتادة ، وكذلك كثرة الخلوة في صوم رمضان وطول الصمت مما لو خلا بنفسه لكان لا يقدم عليه .

                                                                  وقسم يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل أيضا كحضوره الجماعة قبل القوم وقصده للصف الأول وتوجهه إلى يمين الإمام وما يجري مجراه ، وكل ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلا بنفسه لكان لا يبالي أين وقف ومتى يحرم بالصلاة . فهذه درجات الرياء بالإضافة إلى ما يراءى به ، وبعضه أشد من بعض ، والكل مذموم .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية