الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فرجع موسى إلى قومه عند رجوعه المعهود أي بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى : غضبان أسفا لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور كما إذا قلت : شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين، فإن أحدا لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم أثر الدعاء وإن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع، كذا في إرشاد العقل السليم وهو مما لا ينتطح فيه كبشان . والأسف الحزين كما روي عن ابن عباس وكان حزنه عليه السلام من حيث إن ما وقع فيه قومه مما يترتب عليه العقوبة ولا يد له بدفعها . وقال غير واحد : هو شديد الغضب ، وقال الجبائي متلهفا على ما فاته متحيرا في أمر قومه يخشى أن لا يمكنه تداركه وهذا معنى للأسف غير مشهور (قال) استئناف بياني كأنه قيل : فماذا فعل بهم لما رجع إليهم؟ فقيل قال : يا قوم ألم يعدكم ربكم الهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده أي وعدكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى إنكاره . والمراد بذلك إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور ، وقيل : هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 245 ] وعن الحسن أن الوعد الحسن الجنة التي وعدها من تمسك بدينه ، وقيل : هو أن يسمعهم جل وعلا كلامه عز شأنه ولعل الأول أولى ، ونصب (وعدا) يحتمل أن يكون على أنه مفعول ثان وهو بمعنى الموعود ويحتمل أن يكون على المصدرية والمفعول الثاني محذوف ، والفاء في قوله تعالى : أفطال عليكم العهد للعطف على مقدر والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط ، وجوز أن تكون الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والعطف على (لم يعدكم) لأنه بمعنى قد وعدكم ، واختار جمع الأول وأل في العهد له ، والمراد زمان الإنجاز ، وقيل : زمان المفارقة أي أوعدكم سبحانه ذلك فطال زمان الإنجاز أو زمان المفارقة للإتيان به أم أردتم أن يحل أي يجب عليكم غضب شديد لا يقادر قدره كائن من ربكم أي : من مالك أمركم على الإطلاق . والمراد من إرادة ذلك فعل ما يكون مقتضيا له .

                                                                                                                                                                                                                                      والفاء في قوله تعالى فأخلفتم موعدي لترتيب ما بعدها على كل من الشقين ، والموعد مصدر مضاف إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن إخلافهم الوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم ، والمعنى أفطال عليكم الزمان فنسيتم بسبب ذلك فأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على ديني إلى أن أرجع من الميقات نسيانا أو تعمدتم فعل ما يكون سببا لحلول غضب ربكم عليكم فأخلفتم وعدكم إياي بذلك عمدا ، وحاصله أنسيتم فأخلفتم أو تعمدتم فأخلفتم ، ومنه يعلم التقابل بين الشقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز المفضل أن يكون الموعد مصدرا مضافا إلى الفاعل وإخلافه بمعنى وجدان الخلف فيه يقال : أخلف وعد زيد بمعنى وجد الخلف فيه ، ونظيره أحمدت زيدا أي فوجدتم الخلف في موعدي إياكم بعد الأربعين ، وفيه أنه لا يساعده السياق ولا السباق أصلا ، وقيل : المصدر مضاف إلى المفعول إلا أن المراد منه وعدهم إياه عليه السلام باللحاق به والمجيء للطور على أثره وفيه ما فيه ، واستدلت المعتزلة بالآية على أن الله عز وجل ليس خالقا للكفر وإلا لما قال سبحانه وأضلهم السامري ولما كان لغضب موسى عليه السلام وأسفه وجه ولا يخفى ما فيه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية