الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأخرج أي : السامري لهم للقائلين المذكورين عجلا من تلك الأوزار التي قذفوها وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب النظم الكريم فإن قوله جسدا أي : جثة ذا لحم ودم أو جسدا من ذهب لا روح فيه بدل منه ، وقيل : هو نعت له على أن معناه أحمر كالمجسد ، وكذا قوله تعالى له خوار نعت له ، والخوار صوت العجل . وهذا الصوت إما لأنه نفخ فيه الروح بناء على ما أخرجه ابن مردويه عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام أن يكلمه خرج للوقت الذي وعده فبينما هو يناجي ربه إذ سمع خلفه صوتا فقال : إلهي إني أسمع خلفي صوتا قال : لعل قومك ضلوا قال : إلهي من أضلهم؟ قال : أضلهم السامري قال : فيم أضلهم؟ قال : صاغ لهم عجلا جسدا له خوار قال : إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار؟ قال : أنا يا موسى. قال : فوعزتك ما أضل قومي أحد غيرك قال : صدقت يا حكيم الحكماء لا ينبغي لحكيم أن يكون أحكم منك ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في رواية أخرى عن راشد بن سعد أنه سبحانه قال له : يا موسى إن قومك قد افتتنوا من بعدك قال : يا رب كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر وأنعمت عليهم وفعلت بهم قال : يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا له خوار قال : يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال : أنا، قال : فأنت يا رب أضللتهم قال : [ ص: 248 ] يا موسى يا رأس النبيين ويا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم ، وإما لأنه تدخل فيه الريح فيصوت بناء على ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعوه ألقى السامري القبضة وقال : كن عجلا جسدا له خوار، فصار كذلك وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت فقالوا أي : السامري ومن افتتن به أول ما رآه ، وقيل : الضمير للسامري ، وجيء به ضمير جمع تعظيما لجرمه ، وفيه بعد .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي فغفل عنه موسى وذهب يطلبه في الطور ، فضمير نسي لموسى عليه السلام كما روي عن ابن عباس وقتادة والفاء فصيحة أي فاعبدوه والزموا عبادته فقد نسي موسى عليه السلام ، وعن ابن عباس أيضا ، ومكحول أن الضمير للسامري والنسيان مجاز عن الترك والفاء فصيحة أيضا أي فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من أسرار الكفر ، والإخبار بذلك على هذا منه تعالى وليس داخلا في حيز القول بخلافه على الوجه الأول . وصنيع بعض المحققين يشعر باختيار الأول ولا يخفى ما في الإتيان باسم الإشارة والمشار إليه بمرأى منهم وتكريرا له ، وتخصيص موسى عليه السلام بالذكر وإتيان الفاء من المبالغة في الضلال، والإخبار بالإخراج وما بعده حكاية نتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته سبحانه قصدا إلى زيادة تقريرها ثم الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فأخرج لنا ، والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعبدة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم، فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين، فافتتانهم بعد أعظم جناية وأكثر شناعة ، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الإخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قبيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم كانوا قالوا : ما وجدنا الإخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل بهم السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال، فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فقد قال شيخ الإسلام : إن سياق النظم الكريم وسباقه يقضيان بفساده ، وذهب أبو مسلم إلى أن كلام المعتذرين ثم عند قولهم فقذفناها وما بعده من قوله تعالى : فكذلك ألقى السامري إلى آخره إخبار من جهته سبحانه أن السامري فعل كما فعلوا فأخرج لهم إلخ وهو خلاف الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا وقرأ الأعمش ( فنسي ) بسكون الياء ،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية