الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (61) قوله : فلما تراءى الجمعان : قرأ العامة "تراءى" بتحقيق الهمزة، وابن وثاب والأعمش من غير همز. وتفسيره أن تكون الهمزة مخففة بين بين، لا بالإبدال المحض; لئلا تجتمع ثلاث ألفات: الأولى الزائدة بعد الراء، والثانية المبدلة عن الهمزة، والثالثة لام الكلمة، لكن الثالثة لا تثبت وصلا. لحذفها لالتقاء الساكنين. ثم اختلف القراء في إمالة هذا الحرف فأقول: هذا الحرف إما أن يوقف عليه أو لا. فإن وقف عليه: فحمزة يميل ألفه الأخيرة لأنها طرف منقلبة عن ياء. ومن ضرورة إمالتها إمالة فتحة الهمزة [ ص: 526 ] المسهلة; لأنه إذا وقف على مثل هذه الهمزة سهلها على مقتضى مذهبه، وأمال الألف الأولى إتباعا لإمالة فتحة الهمزة. ومن ضرورة إمالتها إمالة فتحة الراء قبلها. وهذا هو الإمالة لإمالة.

                                                                                                                                                                                                                                      وغيره من القراء لا يميل شيئا من ذلك، وقياس مذهب الكسائي أن يميل الألف الأخيرة وفتحة الهمزة قبلها. وكذا نقله ابن الباذش عنه وعن حمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن وصل: فإن ألفه الأخيرة تذهب لالتقاء الساكنين، ولذهابها تذهب إمالة فتحة الهمزة وتبقى إمالة الألف الزائدة. وإمالة فتحة الراء قبلها عنده اعتدادا بالألف المحذوفة. وعند ذلك يقال: حذف السبب وبقي المسبب; لأن إمالة الألف الأولى إنما كان لإمالة الألف الأخيرة كما تقدم تقريره، وقد ذهبت الأخيرة، فكان ينبغي أن لا تمال الأولى لذهاب المقتضي لذلك، ولكنه راعى المحذوف، وجعله في قوة المنطوق، ولذلك نحا عليه أبو حاتم فقال: "وقراءة هذا الحرف بالإمالة محال": قلت: وقد تقدم في الأنعام عند "رأى القمر" و "رأى الشمس" ما يشبه هذا العمل فعليك باعتباره ثمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لمدركون" العامة على سكون الدال اسم مفعول من أدرك أي: لملحقون. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء. قال الزمخشري: "والمعنى: متتابعون في الهلاك على أيديهم". ومنه بيت الحماسة:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 527 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3518 - أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجي الحياة أم من الموت أجزع



                                                                                                                                                                                                                                      يعني: أن ادرك على افتعل لازم بمعنى فني واضمحل. يقال: ادرك الشيء يدرك فهو مدرك أي: فني تتابعا، ولذلك كسرت الراء. وممن نص على كسرها أبو الفضل الرازي قال: "وقد يكون "ادرك" على افتعل بمعنى أفعل متعديا، ولو كانت القراءة من هذا لوجب فتح الراء، ولم يبلغني عنهما - يعني عن الأعرج وعبيد- إلا الكسر".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية