الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ففهمناها أي الحكومة [بما لنا من العلم الشامل والقدرة الكاملة على رفع من نشاء -] سليمان فقال: تسلم الغنم لصاحب الكرم ليرتفق بلبنها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويعمل صاحبها في الكرم حتى يعود كما كان فيأخذ حرثه، وترد الغنم إلى صاحبها، وهذا أرفق بهما. وهذا أدل دليل على ما تقدمت الإشارة إليه عند قال ربي يعلم القول و وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وفيه رد عليهم في غيظهم من النبي صلى الله [ ص: 455 ] عليه وسلم في تسفيه الآباء والرد عليهم كما في قصة إبراهيم عليه السلام لأنه ليس بمستنكر أن يفضل الابن أباه ولو في شيء، [والآية تدل على أن الحكم ينقض بالاجتهاد إذا ظهر ما هو أقوى منه ].

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك ربما أوهم شيئا في أمر داود عليه السلام، نفاه بقوله دالا على أنهما على الصواب في الاجتهاد وإن كان المصيب في الحكم إنما هو أحدهما وكلا أي منهما آتينا بما لنا من العظمة حكما أي [نبوة -] وعملا مؤسسا على حكمة العلم، [وهذا معنى ما قالوه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الشعر حكما - أي قولا صادقا مطابقا للحق -] وعلما مؤيدا بصالح العمل، وعن الحسن رحمه الله: لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان عليه السلام بصوابه، وعذر داود عليه السلام باجتهاده انتهى. وأتبعه من الخوارق ما يشهد له [بالتقدم والفضل فقال -] فقال: وسخرنا أي بعظمتنا التي لا يعيبها شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا الخارق في التنزيه، لم يعد الفعل باللام زيادة في [ ص: 456 ] التنزيه وإبعادا عما ربما أوهم غيره فقال مقدما ما هو أدل على القدرة في ذلك لأنه أبعد عن النطق: مع داود الجبال أي التي هي أقوى من الحرث، حال كونهن يسبحن معه، ولو شئنا لجعلنا الحرث أو الغنم يكلمه بصواب الحكم، ولم يذكر ناقة صالح لأنها مقترحة موجبة لعذاب الاستئصال، فلم يناسب ذكرها هنا، لما أشار إليه قوله تعالى لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وهذه الآيات التي ذكرت هنا ليس فيها شيء مقترح والطير التي سخرنا لها الرياح التي هي أقوى من الجبال [و -] أكثر سكناها الجبال، سخرناها معه تسبح وكنا فاعلين أي من شأننا الفعل لأمثال هذه الأفاعيل، ولكل شيء نريده بما لنا من العظمة المحيطة، فلا تستكثروا علينا أمرا وإن كان عندكم عجبا، وقد اتفق نحو هذا لغير واحد من هذه الأمة، كان مطرف بن عبد الله بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه ابنته، هذا مع أن الطعام كان يسبح بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم والحصا وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية