الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3113 ) مسألة ; قال : ( وبيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل ) وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم . وكرهه الشافعي ، وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمرا ، فهو محرم ، وأنما يكره إذا شك فيه . وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه مسكرا . قال الثوري بع الحلال ممن شئت . واحتج لهم بقول الله تعالى : { وأحل الله البيع } ولأن البيع تم بأركانه وشروطه . ولنا ، قول الله تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وهذا نهي يقتضي التحريم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن في الخمر عشرة .

                                                                                                                                            فروى ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وشاربها وبائعها ، ومبتاعها ، وساقيها } . وأشار إلى كل معاون عليها ، ومساعد فيها أخرج هذا الحديث الترمذي ، من حديث أنس وقال : قد روي هذا الحديث عن ابن عباس ، وابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن بطة في تحريم النبيذ ، بإسناده ، عن محمد بن سيرين أن قيما كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له ، فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا ، ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره ، فأمر بقلعه ، وقال : بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية ، فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها . والآية مخصوصة بصور كثيرة ، فيخص منها محل النزاع بدليلنا .

                                                                                                                                            وقولهم : تم البيع [ ص: 155 ] بشروطه وأركانه . قلنا : لكن وجد المانع منه . إذا ثبت هذا ، فإنما يحرم البيع ويبطل ، إذا علم البائع قصد المشتري ذلك ، إما بقوله ، وإما بقرائن مختصة به ، تدل على ذلك . فأما إن كان الأمر محتملا ، مثل أن يشتريها من لا يعلم ، أو من يعمل الخل والخمر معا ، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر ، فالبيع جائز . وإذا ثبت التحريم ، فالبيع باطل ، ويحتمل أن يصح ، وهو مذهب الشافعي ; لأن المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه ، فلم يمنع صحة العقد ، كما لو دلس العيب .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه عقد على عين لمعصية الله بها ، فلم يصح ، كإجارة الأمة للزنى والغناء . وأما التدليس ، فهو المحرم ، دون العقد . ولأن التحريم هاهنا لحق الله تعالى ، فأفسد العقد ، كبيع درهم بدرهمين ، ويفارق التدليس ، فإنه لحق آدمي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية