الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن كان العدو من ناحية القبلة لا يسترهم عنهم شيء وفي المسلمين كثرة صلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فيحرم بالطائفتين ، ويسجد معه الصف الذي يليه ، فإذا رفعوا رءوسهم سجد الصف الآخر ، فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذي سجد في الأولى وسجد الصف الآخر ، فإذا رفعوا سجد الصف الآخر ; لما روى جابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى هكذا )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث جابر رواه مسلم وحديث ابن عباس رواه النسائي والبيهقي ورواه أبو داود والنسائي من رواية أبي عياش بالياء المثناة من تحت والشين المعجمة الزرقي الصحابي الأنصاري ، واسمه زيد بن الصامت .

                                      وقيل غير ذلك ، وحديثه صحيح ، ولكن لفظ رواية جابر في مسلم وغيره ولفظ ابن عباس وأبي عياش فيها كلها مخالفة ; لما ذكره المصنف وألفاظها كلها متقاربة ، وهذا لفظ مسلم عن جابر قال { شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا فركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود ، وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ; ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا } هذا لفظ مسلم وكل طرق مسلم وغيره متفقة على تأخر الصف المقدم وتقدم المؤخر بعد سجوده في الأولى [ ص: 307 ] وأما نص الشافعي فمخالف ; لما في الحديث ولما في المهذب فإنه قال في مختصر المزني : صلى بهم الإمام وركع وسجد بهم جميعا إلا صفا يليه وبعض صف ينتظرون العدو ، وإذا قاموا بعد السجدتين سجد الصف الذي حرسهم ، فإذا ركع ركع بهم جميعا ، وإذا سجد سجد معه الذين حرسوا أولا إلا صفا أو بعض صف يحرسه منهم ، فإذا سجدوا سجدتين وجلسوا سجد الذين حرسوه ، ثم يتشهدون ثم سلم بهم جميعا معا ، وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، قال : ولو تأخر الصف الذي حرس إلى الصف الثاني وتقدم الثاني فحرس فلا بأس هذا نصه في مختصر المزني ، ونصه في الأم مثله سواء .

                                      واختلف أصحابنا في حكم المسألة فقال القفال ومتابعوه من الخراسانيين : يصلي كما قال الشافعي ، وقال الشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وابن الصباغ والشيخ نصر وآخرون : هو الصواب ، قالوا : وهو مذهب الشافعي ; لأنه أوصى إذا صح الحديث أنه يعمل به ، وهو مذهبه ، وأنه يترك نصه المخالف له ، قالوا : ولعل الشافعي لم يبلغه الخبر أو ذهل عنه .

                                      قال البغوي والروياني وغيرهما من المحققين : يجوز الأمران ، وهو ما ثبت في الحديث وما نص عليه الشافعي ، وهذا هو الصواب ، وهو مراد الشافعي ; لأنه ذكر الحديث في الأم كما ثبت في الصحيح ، وصرح فيه بسجود الصف الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الكيفية المشهورة ، فأشار إلى جوازهما ، واستغنى بثبوت الحديث عن أن يقول : ويجوز أيضا ما ثبت في الحديث ، ولم يقل الشافعي في المختصر : إن الكيفية التي ذكرها هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، بل قال : وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فأشبه تجويزه كل واحد منهما ، وذكر الشافعي في الأم أن الكيفية التي ذكرها ، وهي حراسة الصف الأول وسجود الثاني رواها أبو عياش .

                                      وأما الكيفية التي ذكرها المصنف فهي مخالفة للحديث ولنص الشافعي ، ولكنها جائزة ; لأنها على وفق الحديث إلا أنه ترك تقدم الصف المتأخر ، وتأخر المقدم ، ومعلوم أن هذا لا يبطل الصلاة ، وقد ذكر الشافعي جواز التقدم [ ص: 308 ] والتأخر وتركهما كما قدمناه عن نصه في الأم والمختصر ، فحصل أن الصحيح أن الذي جاء به الحديث والذي نص عليه الشافعي والمصنف كلها جائزة ، والذي في الحديث هو الأفضل لمتابعة السنة ، ولتفضيل الصف الأول .

                                      فخصوا بالسجود أولا .

                                      قال أصحابنا : والحراسة مختصة بالسجود ، ولا يحرسون في غيره ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور ، وهو المنصوص ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه أنهم يحرسون في الركوع أيضا ، حكاه الرافعي وغيره .

                                      قال أصحابنا : لهذه الصلاة ثلاثة شروط : أن يكون العدو في جهة القبلة ، وأن يكون على جبل أو مستو من الأرض لا يسترهم شيء من أبصار المسلمين ، وأن يكون المسلمون كثرة تسجد طائفة وتحرس أخرى ، وقد ذكر المصنف هذه الشروط ، قال أصحابنا : ولا تمتنع الزيادة على صفين ، بل يجوز أن يكونوا صفوفا كثيرة ثم يحرس صفان كما سبق .

                                      قال الشافعي والأصحاب : ولا يشترط أن يحرس جميع الصف ، ولا صفان ، بل لو حرس فرقتان من صف واحد على المناوبة جاز بلا خلاف ، ولو حرست طائفة واحدة في الركعتين ففي صحة صلاة هذه الطائفة وجهان حكاهما الرافعي وغيره ( أصحهما ) : الصحة ، وهو المنصوص في الأم ، وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وغيرهما



                                      ( فرع ) إذا تأخر الصف الأول الساجدون أولا مع الإمام على وفق الحديث وتقدم الآخرون جاز بلا شك ، اتفقوا عليه للحديث ، لكن قال المتولي والرافعي : يشترط أن لا يكثر عملهم ، ولا يزيد على خطوتين بل يتقدم كل واحد خطوتين ويتأخر كل واحد من الأولين خطوتين ، ويدخل الذي يتقدم بين موقفين وأما على الكيفية التي ذكرها الشافعي ، وهو : أن الصف الأول يحرس فيجوز التقدم أيضا والتأخر ولكن هل هو أفضل ؟ أم ملازمة كل إنسان موضعه ؟ فيه وجهان قال المسعودي والصيدلاني والغزالي وغيره من الخراسانيين : التقدم أفضل ، وقال العراقيون : الملازمة أفضل ، وفي لفظ الشافعي الذي قدمناه إشارة إلى هذا ; لأنه قال : فلا بأس ، والله أعلم



                                      ( فرع ) ذكرنا أن صلاة عسفان هذه مشروعة عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة : لا يجوز بل تتعين صلاة ذات الرقاع




                                      الخدمات العلمية