الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2941 باب: إباحة اقتناء كلب الصيد والماشية

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه. وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع أو ماشية، ونحو ذلك) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص238 ج10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سالم; عن أبيه; عن النبي صلى الله عليه وسلم; قال: "من اقتنى كلبا; [ ص: 386 ] إلا كلب صيد أو ماشية: نقص من أجره كل يوم، قيراطان" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن ابن عمر ) رضي الله عنهما; ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم; قال: من اقتنى كلبا، إلا كلب صيد أو ماشية) . زاد في رواية أخرى: "أو ضاريا". وفي لفظ: "إلا كلب ضارية، أو ماشية".

                                                                                                                              "وأو" هنا: للتنويع، لا للترديد. وهو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها.

                                                                                                                              ( نقص من أجره) وفي رواية: من عمله ( كل يوم قيراطان) . وفي لفظ: "قيراط". والحديث: له طرق وألفاظ. قال النووي : مذهبنا: أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة. ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية. وهل يجوز لحفظ الدور والدواب ونحوها؟ فيه وجهان; أحدهما: لا يجوز; لظواهر الأحاديث. فإنها مصرحة بالنهي; إلا لزرع، أو صيد، أو ماشية.

                                                                                                                              وأصحهما: يجوز; قياسا على الثلاثة، عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث: وهي الحاجة. [ ص: 387 ] وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد، أو للزرع، أو الماشية؟ فيه وجهان;

                                                                                                                              أصحهما: جوازه. انتهى.

                                                                                                                              قال: ورواية "عمله" معناه: من أجر عمله. وأما "القيراط" فهو هنا: مقدار معلوم عند الله تعالى. والمراد: نقص جزء من أجر عمله. واختلاف الرواية في قيراط، وقيراطين; فقيل: يحتمل أنه في نوعين من الكلاب; أحدهما أشد أذى من الآخر. أو لمعنى فيهما.

                                                                                                                              أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع; فيكون القيراطان في المدينة خاصة، لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها. أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى، والقيراط في البوادي.

                                                                                                                              أو يكون ذلك في زمنين; فذكر القيراط أولا. ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين. انتهى. وهذا الأخير هو الظاهر. لأن الحديث لم يفصل. قال الروياني: المراد بما ينقص منه: ما مضى من عمله. وقيل: من مستقبله. وقيل: ينقص قيراط من عمل النهار، وقيراط من عمل الليل. أو قيراط من عمل الفرض، وقيراط من عمل النفل. انتهى. وأقول: هذا الخوض في محل نقص القيراطين; لا يأتي بفائدة. ولا يعود بعائدة.

                                                                                                                              [ ص: 388 ] وكذا التفصيل السابق في تأويل القيراطين والقيراط. ويكفي للمسلم: أن يعتقد نقص ذلك، ويكل علمه إلى الله تعالى، ولا يفصل ولا يخوض. ومن حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه.

                                                                                                                              ثم اختلفوا في سبب نقصان الأجر، باقتناء الكلب;

                                                                                                                              فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه.

                                                                                                                              وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم.

                                                                                                                              وقيل: إن ذلك عقوبة له; لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه، وعصيانه في ذلك.

                                                                                                                              وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه، ولا يغسله بالماء والتراب. قاله النووي . قلت: ولا مانع من إرادة الجميع. وبعض هذه الوجوه: قد ورد في بعض الأحاديث.

                                                                                                                              روي: أن "المنصور بالله" سأل عمرو بن عبيد; عن سبب هذا الحديث؟ فلم يعرفه. فقال المنصور: لأنه ينبح الضيف، ويردع السائل.

                                                                                                                              [ ص: 389 ] قال ابن عبد البر : في هذه الأحاديث: "إباحة اتخاذ الكلب" للصيد، والماشية. وكذلك للزرع; لأنها زيادة "حافظ" . وكراهة اتخاذها لغير ذلك. إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر: اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار; قياسا. فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة.

                                                                                                                              قال: ووجه الحديث عندي: أن المعاني المتعبد بها في الكلاب، من غسل الإناء سبعا: لا يكاد يقوم بها المكلف، ولا يتحفظ منها. فربما دخل عليه باتخاذها: ما ينقص أجره من ذلك.

                                                                                                                              قال في النيل: اتفقوا على أن المأذون في اتخاذه: ما لم يحصل الاتفاق على قتله: وهو الكلب العقور. وأما غير العقور; فقد اختلف: هل يجوز قتله أم لا؟

                                                                                                                              واستدل بأحاديث الباب: على طهارة الكلب المأذون باتخاذه. لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه: مشقة شديدة. فالإذن باتخاذه: إذن بمكملات مقصودة. كما أن المنع من اتخاذه: مناسب للمنع منه. قال: وهو [ ص: 390 ] استدلال قوي - كما قال الحافظ - لا يعارضه إلا عموم الخبر في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب، من غير تفصيل. وتخصيص العموم غير مستنكر; إذا سوغه الدليل. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية