الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن أولئك الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إن مكنوا في الأرض أقاموا العبادة الحق؛ وأصلحوا؛ ولا يفسدون; ولذا قال (تعالى):

                                                          الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور إن الظلم وقع على الذين أخرجوا من ديارهم بحق إلا أن يقولوا ربنا الله؛ وإن هؤلاء خير البرية؛ ولهم فضل؛ أنهم لا يشركون بالله؛ وإنهم ليقولون: ربنا الله؛ فيحكمون بوحدة الربوبية؛ ووحدة الخلق؛ ووحدة التكوين؛ وهم إن تمكنوا من الأرض عمروها؛ وسادتها العبادة الحق والتعاون في المال والفضيلة.

                                                          قال (تعالى): "الذين "؛ هذا وصف ثان للذين أخرجوا من ديارهم؛ وقد صورهم - سبحانه - مظلومين؛ أذن لهم بالدفاع عن الحق الذي حملوه؛ وردع الباطل الذي ظلموا منه؛ ويصورهم الآن أنهم إن مكنوا في الأرض عمروها؛ ونشروا فيها الخير والفضيلة؛ و "إن مكناهم "؛ أي: جعلنا لهم مكانا متميزا في الأرض؛ ودولة قائمة في الأرض؛ يظلها العدل والخير والفضيلة؛ وقد ذكر الله (تعالى) أعمالا يقومون بها إن وجدت في جماعة كانت الأمة الفاضلة في الأرض. [ ص: 4995 ] أول هذه الأعمال: إقامة الصلاة؛ التي تقوم بها تلك الجماعة الكريمة؛ تطهير نفوس آحادها؛ وملؤها بطاعة الله وخشيته؛ وذلك بإقامة الصلاة؛ فقال: أقاموا الصلاة أي: أتوا بها مقومة؛ تمتلئ فيها القلوب بذكره - سبحانه -؛ وتستشعر خشيته وهيبته ومحبته وجلاله؛ وبذلك تتطهر القلوب؛ وتعمرها خشية الله (تعالى) ومحبته؛ فتحب عباده؛ وتحب كل شيء له؛ ويتحقق فيهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله ".

                                                          ثاني هذه الأعمال: إيتاء الزكاة؛ وآتوا الزكاة وهي حق السائل والمحروم؛ وهي رمز للتعاون الاجتماعي بين القادر والعاجز والغني والفقير؛ ومن ابتلاه الله (تعالى) بالمال؛ ومن ابتلاه الله (تعالى) بالحرمان.

                                                          وثالث هذه الأعمال: التعاون على الخير؛ ودفع الآثام؛ وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وتكوين رأي عام فاضل يحث على الفضيلة؛ ويمنع الرذيلة؛ وهو قوله (تعالى): وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وبها يتكون رأي عام فاضل يشجع الفضلاء؛ ويقمع الأرذلين.

                                                          وقال (تعالى) في ختام الآية الكريمة: ولله عاقبة الأمور وهو يشير إلى أنهم يؤمنون بلقاء الله (تعالى)؛ وأنهم لم يخلقوا سدى؛ فيكون الخير لأهله يوم القيامة جنات النعيم؛ ولأهل الشر عذاب الحميم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية