الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 237 ] 252 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { ما قطع من حي فهو ميت } .

1572 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي واقد الليثي قال : { قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يجبون أسنام الإبل ويقطعون أليات الغنم ، فقال : ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة } .

[ ص: 238 ]

1573 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ومسور بن الصلت ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال المسور : عن أبي سعيد الخدري ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ، عن جباب أسنمة الإبل وأليات الغنم ، فقال : ما قطع من حي فهو ميت } .

[ ص: 239 ] فقال قائل : فكيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما يوجب أن ما قطع من البهيمة من شعر أو صوف وهي حية أنه ميت ، وكتاب الله عز وجل يدفع ذلك ، قال الله : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ، فأعلمنا الله عز وجل أنه قد جعل لنا الأصواف والأوبار والأشعار متاعا ، فكيف يجوز أن تكون ميتة وقد جعلها الله لنا متاعا ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي في الحديثين اللذين رويناهما في هذا الباب لا يخالف ما في الآية التي تلوناها فيه ؛ لأن الذي في ذينك الحديثين إنما هو على أسنام الإبل [ ص: 240 ] وعلى أليات الغنم المقطوعة منها وهي أحياء مما لو ماتت قبل ذلك ماتت تلك الأشياء بموتها ، والشعر والصوف والأوبار ليست كذلك ؛ لأنها لا تموت بموتها ، ولأن الأسنمة والأليات ترى فيها صفات الموت بموت من هي منه من فسادها وتغير روائحها ، والصوف والشعر والأوبار ليست كذلك ؛ لأن ذلك كله معدوم فيها ، فما كان مما يحدث صفات الموت فيه بحدوثه فيما هو منه ومن الأسنمة ومن الأليات ، فله حكم ما في هذين الحديثين ، وما لا يحدث فيه من صفات الموت بموت ما هو كائن فيه كان خارجا من ذلك وداخلا في الآية التي تلونا .

وقد دل على ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

1574 - مما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : { مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فهلا انتفعتم بجلدها ؟ فقالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة . قال : إنما حرم أكلها } .

1575 - ومما حدثنا يونس أيضا ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 241 ]

1576 - وما قد حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا نصر ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ثم ذكر بإسناده مثله ، إلا أنه قال : إنما حرم لحمها .

قال أبو جعفر : فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، أن الذي حرم من الشاة بموتها إنما هو المأكول منها ، فدل ذلك أن ما سوى المأكول منها لما لم يحرم منها باق بعد موتها على ما كان عليه قبل موتها ، فكان فيما ذكرنا ما قد دل على معنى الحديثين الأولين وعلى ما يحرم بالموت من الحيوان وعلى ما لا يحرم بالموت منها ، وأن ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديثين الذين روينا غير خارج من الآية التي تلونا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية