الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 401 ] ( باب الإحرام)

مسألة : ( من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين ) .

وجملة ذلك أنه يستحب الاغتسال قبل الإحرام للرجل والمرأة ، سواء كانت طاهرا أو حائضا ، قال أحمد - في رواية صالح - : ويغتسل الرجل والمرأة إذا أرادا أن يهلا ويغتسلان إذا أرادا أن يدخلا الحرم ؛ فإن لم يفعلا فلا بأس ، وقال في رواية عبد الله : والحائض إذا بلغت الميقات فتغتسل وتصنع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة ولا تدخل المسجد أعجب إلي ؛ لما روى زيد بن ثابت : " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل " رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، والدارقطني .

[ ص: 402 ] وعن عائشة قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان ودهنه بزيت غير كثير " وعن ابن عمر قال : " من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم ، وإذا أراد أن يدخل مكة " رواهما الدارقطني ، وروي أيضا عن ابن عباس قال : " اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لبس ثيابه ، فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيره فلما استوى به على البيداء أحرم بالحج " وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ، وقد تكلم فيه .

وأما الحائض والنفساء فروى خصيف عن مجاهد ، وعكرمة وعطاء عن [ ص: 403 ] ابن عباس رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أن النفساء أو الحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت " وفي لفظ : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الحائض والنفساء إذا أتيا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت حتى تطهر " رواه أبو داود والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .

وعن عائشة قالت : " نفست أسماء بمحمد بن أبي بكر بالشجرة [ ص: 404 ] فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل " رواه مسلم والترمذي ، وكذلك في حديث جابر : " أن أسماء بنت عميس نفست بذي الحليفة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فأمرها أن تغتسل وتهل " رواه مسلم وغيره ، وعن أسماء بنت عميس : " أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مرها فلتغتسل ثم لتهل " رواه مالك وأحمد والنسائي .

[ ص: 405 ] وإذا رجت الحائض والنفساء أن تطهر أقامت حتى إذا طهرت اغتسلت إذا اتسع الزمان هكذا ، ذكر أصحابنا القاضي وابن عقيل ، وليس هذا الغسل واجبا نص عليه ، وقيل : إن بعض المدنيين يقول : من ترك الاغتسال فعليه دم ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسماء وهي نفساء : " اغتسلي " فكيف الطاهر ؟! فأظهر التعجب من هذا القول ، وكان ابن عمر يغتسل أحيانا ويتوضأ أحيانا وأي ذلك فعل أجزأه ، وذلك لما روي عن ابن عمر : " أنه توضأ مرة في عمرة اعتمرها ولم يغتسل ، وكان في عمرة إذا أتى ذا الحليفة تجرد واغتسل " رواهما سعيد .

وإن لم يكن هناك ماء فهل يتيمم ؟ على وجهين ، ويقال : روايتين . [ ص: 406 ] إحداهما : يتيمم ، قاله القاضي وابن عقيل ... .

التالي السابق


الخدمات العلمية