الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (89) قوله : إلا من أتى الله : فيه أوجه، أحدها: أنه منقطع أي: لكن من أتى الله بقلب سليم فإنه ينفعه ذلك. وقال الزمخشري: "ولا بد لك مع ذلك من تقدير مضاف وهو الحال المراد بها السلامة، وليست من جنس المال والبنين، حتى يؤول المعنى إلى: أن البنين والمال لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "ولا ضرورة تدعو إلى حذف المضاف كما ذكر". قلت: إنما قدر المضاف ليتوهم دخول المستثنى في المستثنى منه; لأنه متى لم يتوهم ذلك لم يقع الاستثناء، ولهذا منعوا: "صهلت الخيل إلا الإبل" إلا بتأويل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 533 ] الثاني: أنه مفعول به لقوله: "لا ينفع" أي: لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإنه ينفعه فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر، وبنوه الصلحاء، لأنه علمهم وأحسن إليهم. الثالث: أنه بدل من المفعول المحذوف، أو مستثنى منه، إذ التقدير: لا ينفع مال ولا بنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته. والمستثنى منه يحذف كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3520 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا



                                                                                                                                                                                                                                      أي: ولم ينج بشيء. الرابع: أنه بدل من فاعل "ينفع" فيكون مرفوعا. قال أبو البقاء: "وغلب من يعقل فيكون التقدير: إلا مال من، أو بنو من فإنه ينفع نفسه وغيره بالشفاعة".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وأبو البقاء خلط وجها بوجه: وذلك أنه إذا أردنا أن نجعله بدلا من فاعل "ينفع" فلنا فيه طريقان، أحدهما: طريقة التغليب أي: غلبنا البنين على المال، فاستثنى من البنين، فكأنه قيل: لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه، وغيره بالشفاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      والطريقة الثانية: أن تقدر مضافا محذوفا قبل "من" أي: إلا مال من أو بنو من فصارت الأوجه خمسة.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه الزمخشري اتصال الاستثناء، بوجهين، أحدهما: إلا حال من أتى الله بقلب سليم، وهو من قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 534 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3521 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .     تحية بينهم ضرب وجيع



                                                                                                                                                                                                                                      "وما ثوابه إلا السيف" ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون؟ فيقال: ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفي المال والبنين عنه، وإثبات سلامة قلبه بدلا عن ذلك. والثاني قال: "وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية