الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( 20 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ) ، هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدون عن سبيل الله ، يقول جل ثناؤه : إنهم لم يكونوا بالذي يعجزون ربهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم ، ولكنهم في قبضته وملكه ، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه [ ص: 286 ] هربا إذا طلبهم ( وما كان لهم من دون الله من أولياء ) يقول : ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصار ينصرونهم من الله ، ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذبهم ، وقد كانت لهم في الدنيا منعة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء ، وقوله : ( يضاعف لهم العذاب ) ، يقول ، تعالى ذكره : يزاد في عذابهم ، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان .

وقوله : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) ، فإنه اختلف في تأويله .

فقال بعضهم : ذلك وصف الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم ، وأنهم لا يسمعون الحق ، ولا يبصرون حجج الله ، سماع منتفع ، ولا إبصار مهتد .

ذكر من قال ذلك :

18092 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) صم عن الحق فما يسمعونه ، بكم فما ينطقون به ، عمي فلا يبصرونه ، ولا ينتفعون به

18093 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) ، قال : ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ، ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به

18094 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك ، وبين طاعته في الدنيا والآخرة . أما في الدنيا ، فإنه قال : ( ما كانوا يستطيعون السمع ) ، [ ص: 287 ] وهي طاعته ( وما كانوا يبصرون ) . وأما في الآخرة ، فإنه قال : ( فلا يستطيعون خاشعة ) ، [ سورة القلم : 42 ، 43 ] .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : ( وما كان لهم من دون الله من أولياء ) ، آلهة الذين يصدون عن سبيل الله . وقالوا : معنى الكلام : أولئك وآلهتهم ، ( لم يكونوا معجزين في الأرض يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) ، يعني الآلهة ، أنها لم يكن لها سمع ولا بصر . وهذا قول روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعف سنده .

وقال آخرون : معنى ذلك : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه ، وبما كانوا يبصرون ولا يتأملون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها . قالوا : و " الباء " كان ينبغي لها أن تدخل ، لأنه قد قال : ( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) ، [ سورة البقرة : 10 ] ، بكذبهم ، في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه " الباء " وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام : " لأجزينك ما علمت ، وبما علمت " وهذا قول قاله بعض أهل العربية .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما قاله ابن عباس وقتادة من أن الله تعالى ذكره وصفهم بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع ، ولا يبصرونه إبصار مهتد ، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين ، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله ، وقد كانت لهم أسماع وأبصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية