الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم

                                                                                                          1364 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة قال وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن عمران بن حصين والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحق يرون استعمال القرعة في هذا وفي غيره وأما بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم فلم يروا القرعة وقالوا يعتق من كل عبد الثلث ويستسعى في ثلثي قيمته وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو الجرمي وهو غير أبي قلابة ويقال معاوية بن عمرو وأبو قلابة الجرمي اسمه عبد الله بن زيد [ ص: 501 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 501 ] قوله : ( أعتق ستة أعبد ) جمع عبد أي : ستة مماليك ( فقال له قولا شديدا ) كراهة لفعله وتغليظا عليه لعتق العبيد كلهم وعدم رعاية جانب الورثة ( ثم دعاهم ) أي : طلبهم ( فجزأهم ) قال النووي بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن السكيت ، وغيره ، أي : فقسمهم ، وفي رواية مسلم فجزأهم ( ثلاثا وأرق أربعة ) أي : أبقى حكم الرق على الأربعة ، ودل الحديث على أن الإعتاق في مرض الموت ينفذ عن الثلث لتعلق حق الورثة بماله ، وكذا التبرع كالهبة ونحوه . قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) قوله : ( حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا البخاري ، كذا في المنتقى . قوله : ( وهو قول مالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق يرون القرعة في هذا ، وفي غيره ) وهو قول الجمهور ، قال الإمام البخاري في صحيحه : باب القرعة في المشكلات ، وذكر فيه عدة أحاديث كلها تدل على مشروعية القرعة ، قال الحافظ في الفتح : وجه إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق ، فكما تقطع الخصومة والنزاع بالبينة ، كذلك تقطع بالقرعة ، ومشروعية القرعة مما اختلف فيه ، والجمهور على القول بها في الجملة ، وأنكرها بعض الحنفية ، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة القول بها وجعل المصنف يعني : البخاري رحمه الله ضابطها الأمر المشكل ، وفسرها غيره بما يثبت فيه الحق لاثنين فأكثر ، وتقع المشاحة فيه فيقرع لفصل النزاع ، وقال إسماعيل القاضي : ليس في القرعة إبطال الشيء من الحق كما زعم بعض الكوفيين ، بل اذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ، ثم يقترعوا [ ص: 502 ] فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه ؛ لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة ، وإنما أفادت القرعة : أن لا يختار واحد منهم شيئا معينا فيختاره الآخر فيقطع التنازع ، وهي إما في الحقوق المتساوية ، وإما في تعيين الملك . فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة ، وكذا بين الأئمة في الصلوات ، والمؤذنين ، والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم ، والحائضات إذا كن في درجة ، والأولياء في التزويج والاستباق إلى الصف الأول ، وفي إحياء الموتى ، وفي نقل المعدن ومقاعد الأسواق ، والتقديم بالدعوى عند الحاكم ، والتزاحم على أخذ اللقيط ، والنزول في الخان المسبل ونحوه ، وفي السفر ببعض الزوجات ، وفي ابتداء القسم والدخول وابتداء النكاح ، وفي الإقراع بين العبيد إذا أوصى بعتقهم ، ولم يسعهم الثالث ، وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضا ، وهو تعيين الملك ومن صور تعيين الملك الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة . انتهى كلام الحافظ . ( وأما بعض أهل العلم من أهل الكوفة ، وغيرهم فلم يروا القرعة ) وهو قول أبي حنيفة ، وحديث الباب حجة على هؤلاء ، والقول الأول هو الحق والصواب . ( وقالوا : يعتق من كل عبد ) أي : من الأعبد الستة ( الثلث ) أي : ثلثه ( يستسعى ) بصيغة المجهول أي : كل عبد ( في ثلثي قيمته ) فإن ثلثه قد صار حرا قوله : ( وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو إلخ ) قال في التقريب : ثقة من الثانية .




                                                                                                          الخدمات العلمية