الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 23 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا في الدنيا بطاعة الله و " أخبتوا إلى ربهم " .

واختلف أهل التأويل في معنى " الإخبات " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : وأنابوا إلى ربهم .

ذكر من قال ذلك :

18095 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ) ، قال : " الإخبات " ، الإنابة

18096 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، يقول : وأنابوا إلى ربهم [ ص: 290 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : وخافوا .

ذكر من قال ذلك :

18097 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، يقول : خافوا

وقال آخرون : معناه : اطمأنوا .

ذكر من قال ذلك :

18098 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، قال : اطمأنوا .

18099 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

18100 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : خشعوا .

ذكر من قال ذلك :

18101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، " الإخبات " التخشع والتواضع

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال متقاربة المعاني ، وإن اختلفت ألفاظها ، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله ، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة ، والطمأنينة إليه من الخشوع له ، غير أن نفس " الإخبات " ، عند العرب : الخشوع والتواضع . [ ص: 291 ]

وقال : ( إلى ربهم ) ، ومعناه : وأخبتوا لربهم . وذلك أن العرب تضع " اللام " موضع " إلى " و " إلى " موضع " اللام " كثيرا ، كما قال تعالى : ( بأن ربك أوحى لها ) [ سورة الزلزلة : 5 ] بمعنى : أوحى إليها . وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك ، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله .

وقوله : ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ، يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها ، ولكنهم فيها لابثون إلى غير نهاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية