الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ( 24 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : مثل فريقي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئا ، والأصم الذي لا يسمع شيئا ، فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به ، لشغله بكفره بالله ، وغلبة خذلان الله عليه ، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد ، فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به ، فهو مقيم في ضلالته ، يتردد في حيرته . والسميع والبصير فذلك فريق الإيمان ، أبصر حجج الله ، وأقر بما دلت عليه من توحيد الله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، ونبوة الأنبياء عليهم السلام ، وسمع داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله ، كما :

18102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) [ ص: 292 ] ، قال : " الأعمى والأصم " الكافر ، و " البصير والسميع " المؤمن

18103 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) ، الفريقان الكافران ، والمؤمنان ، فأما الأعمى والأصم فالكافران ، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان

18104 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) ، الآية ، هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن ، فأما الكافر فصم عن الحق ، فلا يسمعه ، وعمي عنه فلا يبصره . وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به ، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به

يقول تعالى : ( هل يستويان مثلا ) ، يقول : هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيها الناس ؟ فإنهما لا يستويان عندكم ، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند الله ( أفلا تذكرون ) ، يقول جل ثناؤه : أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون ، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما ، فتنزجروا عما أنتم عليه من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان .

فالأعمى والأصم ، والبصير والسميع ، في اللفظ أربعة ، وفي المعنى اثنان . ولذلك قيل : ( هل يستويان مثلا ) .

وقيل : ( كالأعمى والأصم ) ، والمعنى : كالأعمى الأصم ، وكذلك قيل ( والبصير والسميع ) ، والمعنى : البصير السميع ، كقول القائل : " قام الظريف والعاقل " وهو ينعت بذلك شخصا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية