الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3133 ) فصل في تفريق الصفقة . ومعناه أن يبيع ما يجوز بيعه ، وما لا يجوز ، صفقة واحدة ، بثمن واحد وهو على ثلاثة أقسام ; أحدها أن يبيع معلوما ومجهولا كقول بعتك هذه الفرس ، وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف . فهذا البيع باطل بكل حال ولا أعلم في بطلانه خلافا لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط . الثاني ، أن يكن المبيعان مما ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء كعبد مشترك بينه وبين غيره باعه كله بغير [ ص: 163 ] إذن شريكه وكقفيزين من صبرة واحدة باعهما من لا يملك إلا بعضهما ففيه وجهان أحدهما يصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد فيما لا يملكه .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يصح فيهما ، وأصل الوجهين أن أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين إحداهما يفسد فيهما والثانية يصح في الحرة ، والأولى أنه يصح فيما يملكه ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر : لا يصح وهو قول أبي ثور لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب التحريم ولأن الصفقة إذا لم يكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وبيع درهم بدرهمين ولنا أن كل واحد منهما له حكم لو كان منفردا فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد منهما حكمه ، كما لو باع شقصا وسيفا ، ولأن ما يجوز له بيعه قد صدر فيه البيع من أهله في محله بشرطه فصح كما لو انفرد ، ولأن البيع سبب اقتضى الحكم في محلين وامتنع حكمه في أحد المحلين لنبوته عن قبول فيصح في الآخر كما لو أوصى بشيء لآدمي وبهيمة ، وأما الدرهمان والأختان ، فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر فلذلك فسد فيهما ، وهاهنا بخلافه .

                                                                                                                                            القسم الثالث ، أن يكون المبيعان معلومين ، مما لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر ، وخل وخمر ، [ وعبده ] وعبد غيره وعبد حاضر وآبق ، فهذا يبطل البيع فيما لا يصح بيعه وفي الآخر روايتان ، نقل صالح عن أبيه في من اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا رجع بقيمته من الثمن ، ونقل عنه مهنا في من تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا ، فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعا وللشافعي قولان كالروايتين وأبطل مالك العقد فيهما إلا أن يبيع ملكه وملك غيره فيصح في ملكه ويقف في ملك غيره على الإجازة ، ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال إن كان أحدهما لا يصح بيعه بنص أو إجماع كالحر والخمر لم يصح العقد فيهما ، وإن لم يثبت ذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه ; لأن ما اختلف فيه يمكن أن يلحقه حكم الإجازة ، بحكم حاكم ، بصحة بيعه .

                                                                                                                                            وقال أبو ثور : لا يصح بيعه ; لما تقدم في القسم الثاني ، ولأن الثمن مجهول لأنه إنما يتبين بالتقسيط للثمن على القيمة ، وذلك مجهول في الحال ، فلم يصح البيع به ، كما لو قال : بعتك هذه السلعة برقمها ، أو بحصة من رأس المال ولأنه لو صرح به ، فقال بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح . فكذلك إذا لم يصرح . وقال من نصر الرواية الأولى إنه متى سمى ثمنا في مبيع يسقط بعضه لا يوجب ذلك جهالة تمنع الصحة ، كما لو وجد بعض المبيع معيبا فأخذ أرشه ، والقول بالفساد في هذا القسم أظهر إن شاء الله ، والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة ; لأنها ليست عقود معاوضة ، فلا توجد جهالة العوض فيها . ( 3134 ) فصل : وإن وقع العقد على مكيل ، أو موزون ، فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي . رواية واحدة .

                                                                                                                                            يأخذ المشتري الباقي بحصته من الثمن لأن العقد وقع صحيحا فذهاب بعضه لا يفسخه ، كما بعد القبض وكما لو وجد أحد المبيعين معيبا فرده أو أقال أحد المتبايعين الآخر في بعض المبيع . [ ص: 164 ] فصل : وإن كان لرجلين عبدان ، لكل واحد عبد فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد أو وكل أحدهما صاحبه فباعهما بثمن واحد ففيه وجهان ; أحدهما يصح فيهما ، ويتقسط العوض على قدر قيمتهما . وهو قول مالك وأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي لأن جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لرجل واحد ، وكما لو باعا عبدا واحدا لهما ، أو قفيزين من صبرة واحدة والثاني لا يصح لأن كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن ، وهو مجهول على ما قدمنا ، وفارق ما إذا كانا لرجل واحد فإن جملة البيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط والعبد المشترك والقفيزان ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء ، فلا جهالة فيه .

                                                                                                                                            ( 3136 ) فصل : ومتى حكمنا بالصحة في تفريق الصفقة وكان المشتري عالما بالحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة ، وإن لم يعلم مثل إن اشترى عبدا يظنه كله للبائع فبان أنه لا يملك إلا نصفه أو عبدين فتبين أنه لا يملك إلا أحدهما ، فله الخيار بين الفسخ والإمساك لأن الصفقة تبعضت عليه ، وأما البائع فلا خيار له لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما ، فتلف أحدها قبل قبضه فقال القاضي للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ لأن حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه لملك المشتري الفسخ به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية