الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 185 ] فصل ( في شكر النعم والصبر على البلاء وفوائده في الالتجاء إلى الله ) .

قال ابن عقيل في الفنون : النعم أضياف وقراها الشكر ، والبلايا أضياف وقراها الصبر ، فاجتهد أن ترحل الأضياف شاكرة حسن القرى ، شاهدة بما تسمع وترى .

وقال : من أحسن ظني به أنه بلغ من لطفه أن وصى ولدي إذا كبرت فقال : { فلا تقل لهما أف } .

فأرجو إذا صرت عنده رميما أن لا يعسف ; لأن أفعاله ، تشاكل أقواله ، وقال الشيخ تقي الدين : من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم من الشدة والضر ما يلجئهم إلى توحيده ، فيدعونه مخلصين له الدين ، ويرجونه لا يرجون أحدا سواه ، فتتعلق قلوبهم به لا بغيره ، فيحصل لهم من التوكل عليه ، والإنابة إليه ، وحلاوة الإيمان وذوق طعمه ، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف ، أو الجدب أو الضر ، وما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين أعظم من أن يعبر عنه مقال ، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه ، ولهذا قيل : يا ابن آدم لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك .

وقال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله حاجة فادعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي أو أن ينصرف عني ذلك ; لأن النفس لا تريد إلا حظها وقد قال صلى الله عليه وسلم : { ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا } .

وقال أيضا : { وجد طعم الإيمان } فوجود المؤمن حلاوة الإيمان في قلبه [ ص: 186 ] وذوق طعمه أمر يعرفه من حصل له هذا الوجه وهذا الذوق . فالذي يحصل لأهل الإيمان عند تجريد التوحيد يجذب قلوبهم إلى الله وإقبالهم عليه دون ما سواه ، بحيث يكونون حنفاء لله مخلصين له الدين إلى أن قال : وهذا هو حقيقة الإسلام الذي بعثت به الرسل وأنزل به الكتب ، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية