الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3656 [ ص: 412 ] باب: إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وأظفاره

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة، وهو مريد التضحية: أن يأخذ من شعره أو أظفاره، شيئا) .

                                                                                                                              وقال في المنتقى: ( باب ما يجتنبه في العشر: من أراد التضحية) . والمعاني متقاربة.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص139 ج13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمر بن مسلم بن عمار بن أكيمة الليثي، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم) تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أم سلمة) رضي الله عنها; ( قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كان له ذبح يذبحه) .

                                                                                                                              [ ص: 413 ] "الذبح" بكسر الذال، أي: حيوان يريد ذبحه. فهو "فعل" بمعنى "مفعول"، كحمل بمعنى "محمول". ومنه قوله تعالى: وفديناه بذبح عظيم .

                                                                                                                              ( فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي) .

                                                                                                                              والحديث: له ألفاظ وطرق، كلها بمعنى واحد. والحديث: استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظفار، بعد دخول عشر ذي الحجة، لمن أراد أن يضحي. واختلف العلماء في ذلك;

                                                                                                                              فقال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي : إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره، حتى يضحي في وقت الأضحية.

                                                                                                                              وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وليس بحرام.

                                                                                                                              وحكي عن الشافعي : أن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية : مستحب.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يكره. والحديث يرد عليه.

                                                                                                                              وقال مالك : يكره. وفي رواية: لا يكره. وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب.

                                                                                                                              [ ص: 414 ] واحتج من قال بالتحريم: بحديث الباب. لأن النهي ظاهر في ذلك.

                                                                                                                              واحتج الشافعي والآخرون بحديث عائشة; "قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يقلده ويبعث به، ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هذه". رواه الشيخان. فقال: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية. فدل على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي، على كراهة التنزيه .

                                                                                                                              قال في النيل: ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا. فيبنى العام على الخاص، ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم، ولكن على من أراد التضحية. قال أصحاب الشافعي : المراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر: النهي عن إزالة الظفر بقلم، أو كسر، أو غيره. والمنع من إزالة الشعر بحلق، أو تقصير، أو نتف، أو إحراق. أو أخذه بنورة، أو غير ذلك من شعور بدنه. قال إبراهيم المروزي وغيره: حكم أجزاء البدن كلها: حكم الشعر والظفر. ودليله: ما ثبت في رواية لمسلم: "فلا يمسن من شعره وبشره شيئا".

                                                                                                                              والحكمة في النهي: أن يبقى كامل الأجزاء، للعتق من النار. وقيل: للتشبه بالمحرم. حكاهما النووي ، وحكى عن أصحاب [ ص: 415 ] الشافعي : أن الوجه الثاني غلط; لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب، واللباس وغير ذلك، مما يتركه المحرم. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية