الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم

                                                                                                                                                                                                الشيطان سول لهم جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبرا لـ "أن"، كقولك: إن زيدا عمرو مر به. سول لهم: سهل لهم ركوب العظائم، من السؤل وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا وأملى لهم ومد لهم في الآمال [ ص: 527 ] والأماني. وقرئ: (وأملى لهم) يعني: إن الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم، كقوله تعالى: أنما نملي لهم [آل عمران : 178] وقرئ: (وأملي لهم) على البناء للمفعول، أي: أمهلوا ومد في عمرهم. وقرئ: (سول لهم)، ومعناه: كيد الشيطان زين لهم على تقدير حذف المضاف. فإن قلت: من هؤلاء؟ قلت: اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما تبين لهم الهدى، وهو نعته في التوراة. وقيل: هم المنافقون. الذين قالوا: هم اليهود، والذين كرهوا ما نزل الله: المنافقون. وقيل عكسه، وأنه قول المنافقين لقريظة والنضير: لئن أخرجتم لنخرجن معكم. وقيل: بعض الأمر : التكذيب برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بلا إلاه إلا الله ، أو ترك القتال معه. وقيل: هو قول أحد الفريقين للمشركين: سنطيعكم في التظافر على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد معه. ومعنى: في بعض الأمر في بعض ما تأمرون به، أو في بعض الأمر الذي يهمكم والله يعلم إسرارهم وقرئ: (إسرارهم) على المصدر، قالوا ذلك سرا فيما بينهم، فأفشاه الله عليهم. فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ؟ وقرئ: (توفاهم) ويحتمل أن يكون ماضيا، ومضارعا قد حذفت إحدى تاءيه، كقوله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة [النساء: 97]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يتوفى أحد على معصية الله إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره "ذلك" إشارة إلى التوفى الموصوف ما أسخط الله من كتمان نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. و "رضوانه": الإيمان برسول الله.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية