الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 5317 ]

                                                                                                                                                                                        كتاب الأقضية

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1- (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2- (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

                                                                                                                                                                                        3- (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110) [ ص: 5318 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 5319 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد

                                                                                                                                                                                        وآله وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الأقضية

                                                                                                                                                                                        باب في القضاء ومنزلة من يعدل، وما يجوز من القضاء ويخشى من عاقبته؟ وهل يجب أن يقام للناس قاض؟ ومن يولى القضاء ومن يمنعه؟

                                                                                                                                                                                        الأصل في القضاء قول الله -عز وجل-: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق [ص: 26] ، وفي شرعنا قوله سبحانه: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء: 105] ، وقوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط [النساء: 135] ، وقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [النساء: 65].

                                                                                                                                                                                        وأعظم الله تعالى قدر من قام فيه بالحق وبشر به وأدنى منزلته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" أخرجه مسلم. وقال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا [ ص: 5320 ] ظل إلا ظله إمام عادل..." فبدأ به وحض على القيام فيه بالحق النبيين والمؤمنين فقال: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله [ص: 26].

                                                                                                                                                                                        وفي شرعنا ولا تكن للخائنين خصيما [النساء: 105]. وإن كانوا معصومين من ذلك. وقال تعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به [النساء: 58] ، وقال سبحانه: فلا تخشوهم واخشوني [البقرة: 150].

                                                                                                                                                                                        وعظم أمر القضاء فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين" وهذا تنبيه منه على جسيم ما يدخل فيه; لأن الغالب عدم السلامة، وإنه بلية إلا من عصم الله.

                                                                                                                                                                                        وقال -عليه السلام-: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وإنها ستكون حسرة وندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة". وقال: "يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم". أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم. [ ص: 5321 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يولى القضاء من علم منه الرغبة فيه، والحرص عليه; لأنه غير مؤيد ولا معان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إنا لا نستعمل على عملنا من أراده، ولا من حرص عليه". يريد أنه لم يجعل الله عز وجل له أن يوليه من حرص عليه. وقال لعبد الرحمن بن سمرة: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها". أخرجهما الصحيحان. وقال: "من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده" ذكره الترمذي.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية