الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 322 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( فإن كان بعض الثوب إبريسم وبعضه قطنا ، فإن كان الإبريسم أكثر لم يحل وإن كان أقل كالخز لحمته صوف وسداه إبريسم حل ; لما روي عن ابن عباس قال { إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير } فأما العلم وسدا الثوب فليس به بأس ، ولأن السرف يظهر في الأكثر دون الأقل وإن كان نصفين ففيه وجهان ( أحدهما ) : يحرم ; لأنه ليس الغالب الحلال ( والثاني ) : يحل وهو الأصح ; لأن التحريم ثبت بغلبة المحرم ، والمحرم ليس بغالب وإن كان في الثوب قليل من الحرير والديباج كالجبة المكفوفة بالحرير والمجبب بالديباج وما أشبهما لم يحرم ; لما روى علي رضي الله عنه قال " { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا في موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع } وروي { أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج } فإن كان له جبة محشوة بإبريسم لم يحرم لبسها ; لأن السرف فيها غير ظاهر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس رضي الله عنهما صحيح رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بإسناد صحيح بلفظه ، وأما حديث علي فرواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم لكن من رواية عمر بن الخطاب لا من رواية علي ، وأما حديث الجبة المكفوفة فصحيح رواه أبو داود بلفظه هذا بإسناد صحيح إلا رجلا اختلفوا في الاحتجاج به من رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ورواه النسائي بإسناد صحيح ; ورواه مسلم من رواية أسماء أيضا ببعض معناه ، فقال : مكفوفة الفرجين بالديباج .

                                      وقوله " إبريسم " هو عجمي معرب اسم جنس منصرف بلا خلاف ، وإنما نبهت عليه ; لأنه يقع في أكثر نسخ المهذب أو بعضها ، فإن كان بعض الثوب إبريسم .

                                      والصواب إبريسما ، ويصح الأول على أن كان هي التي للشأن [ اللفظ ] ; وفيه ثلاث لغات : فتح الهمزة وكسرها مع فتح الراء فيهما .

                                      والثالثة بكسر الهمزة والراء ، حكاها ابن السكيت والجوهري وغيرهما .

                                      وقوله ( لحمته صوف ) هو بضم اللام على المشهور عند أهل اللغة ، وكذلك لحمة النسب .

                                      وقال ابن الأعرابي هما : بالفتح .

                                      قوله ( وسداه ) هو بفتح السين ، مقصور ، وحكى ابن فارس في المجمل جواز مده .

                                      وقوله ( المصمت ) بفتح الميم الثانية أي الحرير الخالص .

                                      والسرف [ ص: 323 ] مجاوزة الحد قوله ( إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة ) هكذا هو في نسخ المهذب ، ثلاثة أو أربعة ، وكذا هو في رواية أبي داود ، ووقع في صحيح مسلم ثلاث أو أربع بحذف الهاء ، وهو الأصوب ، ويصح الأول على أن المراد بالأصبع العضو .

                                      قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : قول الغزالي : سدا الخز إبريسم ، ولحمته صوف ، واللحمة أكثر - قد يتوهم منه أن سدا كل ثوب مطلقا أقل من لحمته ، وليس الأمر كذلك ، بل يختلف باختلاف الصنعة ، واختلاف أنواع الثياب ، فمنها ما يدفن الصانع اللحمة منه في السدى ، ويجعل السدى هو الظاهر ; ومنها ما يظهر اللحمة على السدى ويدفن السدى فيه ، وكذلك منها ما يكون سداه أكثر وزنا ، ومنها ما يكون لحمته أكثر وزنا ، وإنما وقع الخز منه على الوجه المذكور بحسب الصنعة .

                                      ( أما أحكام الفصل ) ففيه مسائل ( إحداها ) إذا كان بعض الثوب حريرا ، وبعضه غيره ونسج منهما ففيه طريقان ( أحدهما ) : قاله القفال ، وقليل من الخراسانيين : إن كان الحرير ظاهرا يشاهد حرم وإن قل وزنه ، وإن استتر لم يحرم وإن كثر وزنه ; لأن الخيلاء والمفاخرة إنما تحصل بالظاهر .

                                      ( والطريق الثاني ) : وهو الصحيح المشهور ، وبه قطع العراقيون وجمهور الخراسانيين : أن الاعتبار بالوزن ، فإن كان الحرير أقل وزنا حل ، وإن كان أكثر حرم ، وإن استويا فوجهان : ( الصحيح ) منهما عند المصنف وجمهور الأصحاب : الحل ; لأن الشرع إنما حرم ثوب الحرير ، وهذا ليس بحرير ، وقطع به الشيخ أبو حامد ( والثاني ) : التحريم حكاه صاحب الحاوي عن البصريين وصححه ، وليس كما صحح



                                      ( الثانية ) : قال أصحابنا : يجوز لبس المطرز بشرط أن لا يجاوز طراز الحرير أربع أصابع ، فإن زاد عليها فحرام للحديث السابق ، ويجوز لبس الثوب المطرز والمجبب ونحوهما بشرط أن لا يجاوز العادة فيه فإن جاوزها حرم بالاتفاق ،



                                      ولو رقع ثوبه بديباج قالوا هو كتطريزه ، وقول البغوي : لو رقع بقليل ديباج جاز محمول على ما ذكرنا



                                      ، ولو خاط ثوبا بإبريسم جاز لبسه بلا خلاف ، بخلاف الدرع المنسوجة بذهب قليل فإنها تحرم لكثرة [ ص: 324 ] الخيلاء فيه



                                      ، ولو اتخذ سبحة فيها خيط حرير لم يحرم استعمالها لعدم الخيلاء



                                      . ( الثالثة ) : لو اتخذ جبة من غير الحرير وحشاها حريرا أو حشا القباء والمخدة ونحو ذلك الحرير جاز لبسها واستعمال كل ذلك ، نص عليه الشافعي ، وقطع به المصنف وجماهير الأصحاب ، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه ، وقال البغوي : جاز على الأصح فأشار إلى وجه ضعيف وحكاه أيضا الرافعي وهو شاذ ضعيف ، ولو كانت ظهارة الجبة حريرا وبطانتها قطنا أو ظهارتها قطنا وبطانتها حريرا فهي حرام بلا خلاف ، صرح به الماوردي وإمام الحرمين والغزالي والبغوي وغيرهم من العراقيين والخراسانيين ، قال إمام الحرمين : وظاهر كلام الأئمة أنه لو لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفي وسطه حرير منسوج جاز ، قال : وفيه نظر واحتمال



                                      ( فرع ) لو خاف على نفسه من حر أو برد أو غيرهما ولم يجد إلا ثوب حرير جاز لبسه بلا خلاف للضرورة ، ويلزمه الاستتار به عن العيون إذا لم يجد غيره بلا خلاف ، وكذا في الخلوة إذا أوجبنا الستر فيها ، وقد سبقت هذه المسألة في باب طهارة البدن




                                      الخدمات العلمية