الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3643 باب : في الإذن في لحوم الأضاحي بعد ثلاث

                                                                                                                              وجواز الادخار ، والتزود، والصدقة

                                                                                                                              وهو في النووي في : ( الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص130 ، 131 ج 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت: صدق. سمعت عائشة تقول: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى، زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا ثلاثا. ثم تصدقوا بما بقي". فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله! إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قالوا نهيت: أن تؤكل لحوم الضحايا، بعد ثلاث. فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت. فكلوا، وادخروا، وتصدقوا"].

                                                                                                                              [ ص: 440 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 440 ] (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن واقد ؛ قال : نهى رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث . قال : عبد الله بن أبي بكر : فذكرت ذلك لعمرة ، فقالت : صدق . سمعت عائشة) ، رضي الله عنها ( تقول : دف أهل أبيات من أهل البادية) .

                                                                                                                              " دف " بفتح الدال وتشديد الفاء . أي : " جاء ". قال أهل اللغة " الدافة) بتشديد الفاء : قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا . " ودافة الأعراب" : من يريد منهم المصر . والمراد هنا : من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة .

                                                                                                                              ( حضرة الأضحى) بفتح الحاء وضمها وكسرها ، والضاد ساكنة فيها كلها . وحكي فتحها وهو ضعيف . وإنما تفتح إذا حذفت الهاء ، فيقال " بحضر فلان ". كذا قال النووي .

                                                                                                                              ( زمن رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : " ادخروا ثلاثا . ثم تصدقوا بما بقي " . فلما كان بعد ذلك ، قالوا : يا رسول الله ! إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ، ويجملون فيها الودك) . بفتح الياء مع كسر الميم وضمها .

                                                                                                                              [ ص: 441 ] ويقال : بضم الياء مع كسر الميم . يقال : " جملت الدهن أجمله " بكسر الميم . " وأجمله " بضم الميم : " جملا "، " وأجملته أجمله إجمالا" ، أي : أذبته . وهو بالجيم .

                                                                                                                              ( فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : " وما ذاك ؟ " قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث . فقال : " إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت . فكلوا ، وادخروا ، وتصدقوا ") . هذا تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي ، بعد الثلاث. وادخارها . وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار ؛ من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم .

                                                                                                                              وحكى النووي : عن علي ، وابن عمر : أنهما قالا : يحرم الإمساك بعد ثلاث . وحكاه الحازمي أيضا : عن الزبير ، وابن واقد . ولعلهم لم يعلموا بالناسخ . ومن علم : حجة على من لم يعلم .

                                                                                                                              وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث : من بعد عصر المخالفين في ذلك . ولا أعلم أحدا بعدهم : ذهب إلى ما ذهبوا إليه .

                                                                                                                              واستدل بقوله : "كلوا " وبنحوه من الأوامر : من قال بوجوب الأكل من الأضحية . وحكاه النووي عن بعض السلف . ويؤيده : قوله تعالى : . ( فكلوا منها ) . وحمل الجمهور هذه الأوامر : على الندب والإباحة ، [ ص: 442 ] لورودها بعد الحظر . وهو عند جماعة : للإباحة . وحكى النووي عن الجمهور : أنه للوجوب . والكلام في ذلك : مبسوط في الأصول :

                                                                                                                              وفيه : دليل على وجوب التصدق من الأضحية . وبه قالت الشافعية ، إذا كانت أضحية تطوع. قالوا : والواجب : ما يقع عليه اسم الإطعام والصدقة . ويستحب : أن يكون بمعظمها . قالوا : وأدنى الكمال : أن يأكل الثلث ، ويتصدق بالثلث ، ويهدي الثلث . وقيل : غير ذلك . وفي جواز أكلها جميعا وجهان ؛ أصحهما : لا يجوز . إذ يبطل به القربة . وهي المقصود . وقيل : يجوز . والقربة تعلقت بإهراق الدم . فإن فعل لم يضمن شيئا عند الجميع ، إذ لا دليل .

                                                                                                                              قلت : وفي رواية : " فكلوا ما بدا لكم". وهو يدل على عدم تقدير الأكل بمقدار . وأن للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء ، وإن كثر . ما لم يستغرق . بقرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر : " وأطعموا ". وفي حديث الباب : " وتصدقوا " .

                                                                                                                              وفيه أيضا : تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث .




                                                                                                                              الخدمات العلمية