الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 84 ] نكاح المحرم

أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب } وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج } .

أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال } . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سلمة الأموي عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب : قال وهم الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال : أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نكاحه . أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .

( قال الشافعي ) لا يلي محرم عقدة نكاح لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء لأنه هو الناكح ونكاحه مفسوخ . وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لأنها هي المتزوجة ، وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لأن المحرم عقد النكاح قال : ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لأن الشاهد ليس بناكح ولا منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلي ولا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها لأنها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف . والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة .

( قال الشافعي ) فأي نكاح عقده محرم لنفسه أو محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توقى كان ذلك أحب إلي لأنها وإن كانت تعتد من مائه فإنها تعتد من ماء فاسد . قال وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهي عنده على ثلاث تطليقات لأن الفسخ ليس بطلاق ، وإن خطب المحرم على رجل وولي عقدة نكاحه حلال فالناكح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة فإن كانت معتمرة أو كان معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك فنكاحه مفسوخ فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرمي ويحلق ويطوف يوم النحر أو بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع [ ص: 85 ] من الإحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجز له النكاح فيه كما لا يجوز له في الإحرام الصحيح وإن كان الناكح محصرا بعد ولم ينكح حتى يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه ، وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الإحرام فأبطله .

( قال الشافعي ) ويراجع المحرم امرأته وتراجع المحرمة زوجها لأن الرجعة ليست بابتداء نكاح إنما هي إصلاح شيء أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا عوض ولا يقال للمراجع ناكحا .

( قال الشافعي ) ويشتري المحرم الجارية للجماع والخدمة لأن الشراء ليس كالنكاح المنهي عنه كما يشتري المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لأن الشراء ملك فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فننهاه عن الشراء لأنه في معنى النكاح ( قال الشافعي ) ولو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم ، قال ولو عقد وهو غائب في وقت فقال لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك الوقت فيفسخ النكاح ، ولو زوجه في وقت فقال الزوج لا أدري كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطي نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليها تطليقة ولا يلزمه في الحكم من هذا شيء لأنه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في أن النكاح كان وهو محرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقيم بينة بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسدا .

وإن قالت لا أعرف أصدق أم كذب قلنا نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت كذب أخذنا لك نصف المهر لأنك لا تدرين ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعي شيئا . وإن قالت المرأة أنكحت وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها أنكحتها وهي محرمة وقالت ذلك الأمة أو لم تقله فإن صدقه الزوج فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج .

التالي السابق


الخدمات العلمية