الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في القطائع

                                                                                                          1380 قال قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى بن قيس المأربي حدثني أبي عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن سمير عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح فقطع له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما قطعت له إنما قطعت له الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمى من الأراك قال ما لم تنله خفاف الإبل فأقر به قتيبة وقال نعم حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر حدثنا محمد بن يحيى بن قيس المأربي بهذا الإسناد نحوه المأرب ناحية من اليمن قال وفي الباب عن وائل وأسماء بنت أبي بكر قال أبو عيسى حديث أبيض حديث غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القطائع يرون جائزا أن يقطع الإمام لمن رأى ذلك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          جمع : قطيعة ، تقول أقطعته أرضا جعلتها له قطيعة ، والمراد به ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه ، واختصاص الإقطاع بالموات متفق عليه في كلام الشافعية ، وحكى عياض أن الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك ، قال : وأكثر ما يستعمل الأرض ، وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يجوزه ، إما بأن يملكه إياه فيعمره ، وإما بأن يجعل له غلته مدة . انتهى ، كذا في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى بن قيس ) قرأ الترمذي هذا الحديث على شيخه قتيبة بالقراءة عليه وهذا أحد وجوه التحمل ، قال السيوطي في تدريب الراوي : وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان ، أو نحوه كما قلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ، ولا مقر لفظ صح السماع ، وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون .

                                                                                                          وشرط بعض أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به . انتهى . كلام السيوطي . قلت : قد أقر قتيبة بعد قراءة الترمذي هذا الحديث عليه ونطق بقوله نعم كما هو مصرح في آخر الحديث ( المأربي ) منسوب إلى مأرب بفتح الميم وسكون الهمزة ، وكسر الراء ، وقيل [ ص: 527 ] بفتحها موضع باليمن ( عن ثمامة ) بضم المثلثة ( بن شراحيل ) بفتح الشين المعجمة ( عن سمي ) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء ( ابن قيس ) قال الحافظ مجهول ( عن شمير ) بضم الشين المعجمة وفتح الميم مصغرا ابن عبد الدار اليمامي مقبول من الثالثة ( عن أبيض بن حمال ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ( وفد ) أي : قدم ( استقطعه ) أي : سأله أن يقطع إياه ( الملح ) أي : معدن الملح ( فقطع له ) لظنه صلى الله عليه وسلم أنه يخرج منه الملح بعمل وكد ( فلما أن ولى ) أي : أدبر ( قال رجل من المجلس ) هو الأقرع بن حابس التميمي على ما ذكره الطيبي ، وقيل إنه العباس بن مرداس ( الماء العد ) بكسر العين وتشديد الدال المهملة ، أي : الدائم الذي لا ينقطع والعد المهيأ ( قال ) أي : الرجل قال ابن الملك والظاهر أنه أبيض الراوي قال القاري : الأظهر أن فاعل قال هو الرجل وإلا فكان حقه أن يقوله فرجعه مني . انتهى . قلت عندي أن فاعل قال هو شمير الراوي عن أبيض فتفكر ( قال ) أي : شمير الراوي ( وسأله ) أي : الرجل النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا في المرقاة ، وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات : أي : سأل أبيض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت الظاهر عندي هو ما قال الشيخ ( عن ما يحمى ) بصيغة المجهول " من الأراك " بيان لما ، وهو القطعة من الأرض على ما في القاموس ولعل المراد منه الأرض التي فيها الأراك ، قال المظهر : المراد من الحمى هنا الإحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز لأحد أن يخصه ( ما لم تنله ) بفتح النون أي : لم تصله " خفاف الإبل " معناه ما كان بمعزل من المراعي والعمارات ، وفيه دليل على أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج أهل البلد إليه لرعي مواشيهم ، وإليه أشار بقوله : ما لم تنله خفاف الإبل ، قال الأصمعي : الخف الجمل المسن ، والمعنى أن ما قرب من المرعى لا يحمى ، بل يترك لمسان الإبل ، وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى ، وقال الطيبي رحمه الله : وقيل يحتمل أن يكون المراد به أنه لا يحمى ما تناله الأخفاف ، ولا شيء منها إلا وتناله الأخفاف ، كذا في المرقاة . قوله : ( فأقر به ، وقال نعم ) هذا متعلق [ ص: 528 ] بقوله قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى إلخ أي : قال الترمذي لشيخه قتيبة حدثكم محمد بن يحيى إلخ فأقر به قتيبة ، وقال : نعم ، وهذا أحد وجوه التحمل ، وقد مر تفصيله في ابتداء الكتاب في شرح قوله : فأقر به الشيخ الثقة الأمين .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن وائل وأسماء ابنة أبي بكر ) أما حديث وائل فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أسماء فأخرجه أبو داود بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير نخيلا . قوله ( حديث أبيض بن حمال حديث حسن غريب ) وأخرجه ابن ماجه والدارمي .




                                                                                                          الخدمات العلمية