الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (208) قوله : إلا لها منذرون : يجوز أن تكون الجملة صفة لـ"قرية"، وأن تكون حالا منها. وسوغ ذلك سبق النفي. وقال الزمخشري: "فإن قلت: كيف عزلت الواو عن الجملة بعد "إلا" ولم تعزل عنها في قوله: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم"؟ قلت: الأصل عزل الواو; لأن الجملة صفة لـ "قرية". وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما قي قوله: "سبعة وثامنهم كلبهم" . قال الشيخ: "ولو قدرنا" لها منذرون" جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد "إلا".

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد "إلا" معتمدة على أداة الاستثناء نحو: ما جاءني أحد إلا راكب. وإذا سمع مثل هذا خرجوه على البدل، أي: إلا رجل راكب. ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول: "ما مررت بأحد إلا قائما" ولا يحفظ عنهم "إلا قائم" بالجر. فلو كانت الجملة صفة بعد "إلا" لسمع الجر في هذا. [وأيضا فلو كانت الجملة صفة [ ص: 560 ] للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد "إلا" يعني نحو: "ما مررت بزيد إلا العاقل"].

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال: "فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد "إلا" نحو: "ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو". التقدير: ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد. وأما كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في عبارة النحويين. لو قلت: "جاءني رجل وعاقل" أي: "رجل عاقل" لم يجز. وإنما تدخل الواو في الصفات جوازا إذا عطف بعضها على بعض، وتغاير مدلولها نحو: مررت بزيد الشجاع والشاعر. وأما "وثامنهم كلبهم" فتقدم الكلام عليه".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: أما كون الصفة لا تقع بعد "إلا" معتمدة، فالزمخشري يختار غير هذا، فإنها مسألة خلافية. وأما كونه لم يقل "إلا قائما" بالنصب دون "قائم" بالجر فذلك على أحد الجائزين وليس فيه دليل على المنع من قسيمه. وأما قوله "فغير معهود من كلام النحويين" فممنوع. هذا ابن جني نص عليه في بعض كتبه. وأما إلزامه أنها لو كانت الجملة صفة بعد "إلا" للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد "إلا" فغير لازم; لأن ذلك مختص بكون الصفة جملة. وإذا كانت جملة تعذر كونها صفة للمعرفة. وإنما اختص ذلك بكون الصفة جملة; لأنها لتأكيد وصل الصفة، والتأكيد لائق بالجملة. وأما قوله: "لو قلت: جاءني رجل وعاقل لم يجز" فمسلم، ولكن إنما امتنع ذلك لئلا يلبس أن الجائي اثنان: رجل وآخر عاقل، بخلاف كونها جملة، فإن اللبس منتف. وقد تقدم "سبعة وثامنهم" فليلتفت إليه ثمة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية